إعلان منتصف المقال
يعيش اللاجئون الفلسطينيون في مدينة صور واقعًا مأساويًا في ظل استمرار الحرب "الإسرائيلية" على لبنان وتأثيراتها السلبية على المجتمع الفلسطيني، سواء في المخيمات أو خارجها التي تعاني أصلاً من التمييز والتهميش، وتضاعف نسب الفقر والنقص في الخدمات الأساسية عقب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد عام 2019.
وفاقمت الحرب الحالية على نحو خاص معاناة الأهالي خاصة في التجمعات الفلسطينية التي لا تُعتبر مخيمات وفق تصنيف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ما يحرمها من الحصول على خدمات الوكالة المتكاملة التي تتوفر في المخيمات الرسمية مثل الرشيدية والبص والبرج الشمالي.
وفي حديث صحفي يوضح محمد الشولي، أمين سر اللجان الأهلية في لبنان، أنه "لا يختلف واقع التجمعات الفلسطينية عن واقع المخيمات الفلسطينية في لبنان من حيث الحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية. لكنها أكثر تهميشًا؛ لأن الأونروا تعتبر هذه التجمعات ليست من اختصاصها، ولا تقدم لها سوى خدمات مجزوءة تقتصر على التعليم والاستشفاء".
ويضيف: "أما خدمات تزويد التجمعات بالمياه، وإزالة النفايات، فتقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني ضمن مشاريع ممولة من جهات دولية مانحة. وكثيرًا ما يساهم الأهالي في هذه المشاريع رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية".
واقع التجمعات الفلسطينية في مدينة صور
تتوزع التجمعات الفلسطينية في مدينة صور على عدة مناطق، مثل تجمع المعشوق، جل البحر، الشبريحا، البرغلية، القاسمية، الواسطة، العيتانية، كفر بدا، وصولًا إلى تجمع عرش عدلون. وقد أُقيمت هذه التجمعات على أراض مملوكة قدمها أصحابها مؤقتًا لإيواء اللاجئين الفلسطينيين، ظنًا منهم أن اللجوء لن يطول، فيما أقيم البعض الآخر على أراض مشاع ملكٍ للدولة اللبنانية.
ووفقًا لتقديرات جهات محلية فلسطينية، يقدر عدد الأسر في هذه التجمعات بحوالي 1750 أسرة. ومع ذلك، يحرمها عدم اعتبارها مخيمات رسمية من قبل وكالة "الأونروا" من الحصول على الخدمات الأساسية الكاملة التي تقدم في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
الخدمات الأساسية ودور الأونروا قبل الحرب
قبل الحرب، كانت وكالة الأونروا توفر بعض الخدمات الجزئية مثل العيادات المتنقلة التي تقدم الرعاية الصحية الأولية لفترات قصيرة خلال الأسبوع. كما كانت تدير مدارس ابتدائية ومتوسطة في بعض التجمعات. ومع ذلك، تظل الحاجة قائمة لمدارس ثانوية، ما يجبر الطلاب على الذهاب إلى مخيم البص لاستكمال دراستهم، مما يزيد العبء المالي على الأسر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما في ما يتعلق بالبنى التحتية والخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي وإزالة النفايات، فإن التجمعات تعتمد على دعم مؤسسات المجتمع المدني بتمويل من جهات مانحة. رغم ذلك، يضطر الأهالي في كثير من الأحيان إلى تحمل جزء من التكاليف رغم محدودية مواردهم. كما تظل منازلهم، المصنوعة غالبًا من الزينكو والصفيح، غير مجهزة لتحمل الظروف المناخية القاسية.
وحول ذلك، قال أمين سر اللجان الأهلية في لبنان، محمد الشولي: "توجد في التجمعات عيادات صحية لوكالة الأونروا بواقع يومين أو ثلاثة أيام أسبوعيًا في كل تجمع، ضمن ما يطلق عليه مصطلح (mobile clinic)، وهي تقدم الرعاية الصحية الأولية لسكان تلك التجمعات".
وأوضح الشولي، "كما توجد العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة، مثل مدرسة الطنطورة في تجمع المعشوق، ومدرسة قيساريا في الشبريحا، ومدرسة المنصورة في القاسمية، ومدرسة الحولة في كفر بدا، ومدرسة العوجا في تجمع العرش- عدلون. أما الدراسة الثانوية، فتتم في ثانوية دير ياسين في مخيم البص، حيث ينتقل الطلاب إليها باستخدام الحافلات، وعلى نفقتهم الخاصة، ما يزيد الأعباء المالية على الأسر".
وتقتصر فرص العمل في التجمعات على الزراعة وصيد الأسماك، حيث تصل معدلات البطالة إلى أكثر من 80% ما يزيد بشكل كبير في انتشار الفقر بين السكان، حيث تراجعت كذلك قيمة الأجور اليومية إلى نحو أربعة دولارات في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان، وهو مبلغ بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية، ما يزيد صعوبة الحياة اليومية للأسر الفلسطينية.
تأثير الحرب على التجمعات الفلسطينية
منذ اندلاع العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، نزح العديد من أبناء التجمعات الفلسطينية هربًا من القصف الهمجي الذي طال معظم مناطق الجنوب اللبناني، وقد تركوا وراءهم منازلهم بكل ما تحتويه من ذكريات سنوات طويلة. وكحال المدن والقرى اللبنانية تعرضت التجمعات الفلسطينية في مدينة صور لقصف من طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" منذ بداية الحرب، ما أسفر عن خسائر مادية طالت العديد من المنازل والممتلكات.
أحد أبناء تجمع الشبريحا قال لموقعنا، إن "تكرار الاستهدافات في المنطقة خلف أضرار بمنازل الفلسطينيين، إضافة إلى مخلفات القصف من قنابل عنقودية متناثرة بين أنقاض المنازل، مما يهدد حياة الأهالي بشكل مستمر".
عيسى مناصرة، ناشط شبابي فلسطيني من تجمع جل البحر للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور، يروي جزءًا من معاناة الأهالي، حيث يقول: "معظم الأهالي يعملون في زراعة البساتين، وهناك عدد آخر يعمل في صيد الأسماك لقرب التجمع من البحر، وهذا ما يجعلهم يكتفون بتأمين قوت يومهم، ولا يحتاجون عادة إلى طلب العون من الغير. ولكن مع اندلاع الحرب، فقدت العديد من الأسر مصدر دخلها الوحيد، وأصبحت تعاني الحرمان وضيق العيش، وتنتظر المساعدات".
ويطالب مناصرة باسم الأهالي، "وكالة الأونروا، رغم عدم اعترافها بالتجمعات الفلسطينية، بتقديم المساعدات اللازمة وتوفير الخدمات الأساسية لهذه التجمعات أسوة بالمخيمات الرسمية في لبنان، خاصة في ظل الحرب الحالية التي تزيد معاناتهم".
وفي ظل النقص الحاد في الخدمات الأساسية وتقصير وكالة "الأونروا" في تلبية الاحتياجات المتزايدة، يواجه اللاجئون الفلسطينيون في تجمعات صور ظروف معيشية قاسية، ازدادت حدتها مع التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير.
ويؤكد الأهالي ، أن توفير الدعم والإغاثة الشاملة من "الأونروا" والجهات الفلسطينية واللبنانية بات ضرورة ملحة لتعزيز صمودهم. حيث يشددون على أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من حدة الأزمات المتفاقمة نتيجة استمرار الحرب.