مع استمرار العدوان على لبنان منذ نحو 43 يوماً، تواصل المخيمات الفلسطينية في بيروت مواجهة آثار هذا العدوان، لا سيما في مخيم برج البراجنة الملاصق لضاحية بيروت الجنوبية، حيث ما يزال نحو ثلثي سكانه نازحين، فيما لم يسعف وضع الإيواء "المتردي" في مراكز الإيواء التابعة لوكالة "أونروا" النازحين من مخيم شاتيلا الذي شهد قصفاً في محيطه، واضطرهم للعودة رغم المخاطر، وفي مخيم مار الياس يواجه اللاجئون الفلسطينيون نقص الإمكانيات اللازمة لاستقبال النازحين بشكل ملائم باعتباره المخيم الأكثر أمناً.
معظم الباقيين في مخيم برج البراجنة من أصحاب الأمراض المزمنة و(أونروا) تواصل إغلاق عيادتها
ولعل أقسى الأوضاع الأمنية والاقتصادية يعانيها من تبقى من أهالي مخيم برج البراجنة جنوب بيروت داخله، ونسبتهم تزيد عن 30 بالمائة، يصف الناشط الاجتماعي في المخيم ثائر الدبدوب الوضع بالصعب للغاية "حيث يسكن من تبقى داخل المخيم في حياة معدومة المقومات وهم ينتظرون من يلتفت إليهم ويمد يد العون لهم".
يوضح الدبدوب أن من بقي من اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيم هم من أصحاب الأمراض المزمنة (السرطان والسكري والضغط) ويكابدون صعوبات في الحصول على الدواء الشهري، خاصة بعد أن أقفلت وكالة "أونروا" عيادتها ومركزها الوحيد في المخيم وسحبت موظفيها منه، مؤكداً أن المخيم شبه فارغ من السكان، ولم يعد كما كان بعد أن طاول القصف "الإسرائيلي" معظم مناطق ضاحية بيروت الجنوبية.
يقول الدبدوب: "أنا من الناس التي بقيت في المخيم لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في تأمين الوجبات الغذائية والإطلاع على أوضاعهم وتوزيع ما تيسر من المساعدات، كوني المسؤول عن جمعية (أمان) التي تقوم بدور بسيط لمساندة أهلنا".
ويضيف: "نحن مجموعة شباب ندق أبواب أهلنا ونسألهم إذا ما كانوا بحاجة لأي شيء بعد أن تخلت (أونروا) عنهم وتركتهم في وضع لا يحسدوا عليه، ناهيك عن الخوف والرعب الذي يشعرون به عن قصف العدو الإسرائيلي لضاحية بيروت الجنوبية".
وطالب الناشط الفلسطيني وكالة "أونروا" أن تعدل عن قرارها وأن تفتح عيادتها على الأقل يومين في الأسبوع حتى يتسنى للاجئين الحصول على دوائهم الشهري.
في الوقت ذاته، معظم من نزح من المخيم، أحوالهم ليست بأفضل حال عمن بقي، يعبر عن هذا اللاجئ الفلسطيني محمد القفاص الذي نزح إلى مدرسة "يعبد" القريبة من منطقة صبرا.
يقول القفاص: حياتي تحولت إلى جحيم بعد أن تركت محلي الذي كنت أبيع فيه مواداً غذائية، فأنا اليوم بلا عمل ولا أملك المال الكافي لاستئجار شقة، وفي ذات الوقت لم أستطع التكيف على البقاء في مدرسة حيث تنام أكثر من أربع عائلات في غرفة صفية واحدة.
يؤكد القفاص أنه سيعود إلى المخيم قريباً رغم أي مخاطر قد أتعرض لها، "العودة أفضل من البقاء في المدرسة التي لا تؤمن فيها وكالة (أونروا) احتياجاتنا".
القصف "الإسرائيلي" العنيف على ضاحية بيروت الجنوبية تسبب بتضرر كبير في منزل القفاص، وحين خرج من المخيم خرج تحت وطأة الغارات العنيفة وصراخ زوجته وأبنائه من الخوف، ولكن العائلة لم تجد احتياجاتها في مركز الإيواء الذي تديره "أونروا"، لذا ينوون العودة إلى المخيم حتى تحت الخطر، وفق ما يقول القفاص.
ليس القفاص وحده، فكثير من اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من المخيم تحت أصوات الغارات "الإسرائيلية" عادوا إلى المخيم جراء "تردي" الأوضاع في مراكز الإيواء.
وسط مخاوف من تواصل القصف "الإسرائيلي" للضاحية عاد بعض اللاجئين وفتحوا محالهم
في هذا الشأن، يؤكد مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة عيسى الغضبان أن الوضع في المخيم يمكن أن يوصف بالهدوء الحذر، ما دفع الكثير من اللاجئين إلى العودة تدريجياً، وممارسة حياتهم الطبيعية رغم التهديدات التي ما تزال تطال الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقال: إن نحو 40 بالمائة من الفلسطينيين الذين نزحوا عن المخيم عادوا إليه مع بعض الهدوء الذي شهدته ضاحية بيروت الجنوبية خلال الأيام الماضية، مضيفاً: أن 430 عائلة موجودة في المخيم لكنها تعيش حالة قلق وخواف دائمة من استئناف القصف "الإسرائيلي".
وأوضح أن بعض أصحاب المحلات أعادوا فتح محلاتهم، وتحسنت نوعاُ ما حركة البيع والشراء ولكن هذا مرهون باستقرار الوضع وفي حال عاود الاحتلال القصف، سيشهد المخيم موجة نزوح أخرى.
ويرى الغضبان أن استمرار حديث البعض عن أن المخيم فارغ تماماً من السكان، يخلق تبريراً لوكالة "أونروا" في عدم إعادة فتح عياداتها، ولكن هناك بعض المحلات والدكاكين والمؤسسات والصيدليات فتحت أبوابها وبدأت الناس تشعر بالراحة النفسية بعض الشيء و"لكن الاستمرار غير مضمون".
في هذا الشأن، يؤكد مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة عيسى الغضبان أن الوضع في المخيم يمكن أن يوصف بالهدوء الحذر، ما دفع الكثير من اللاجئين إلى العودة تدريجياً، وممارسة حياتهم الطبيعية رغم التهديدات التي ما تزال تطال الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقال: إن نحو 40 بالمائة من الفلسطينيين الذين نزحوا عن المخيم عادوا إليه مع بعض الهدوء الذي شهدته ضاحية بيروت الجنوبية خلال الأيام الماضية، مضيفاً: أن 430 عائلة موجودة في المخيم لكنها تعيش حالة قلق وخواف دائمة من استئناف القصف "الإسرائيلي".
وأوضح أن بعض أصحاب المحلات أعادوا فتح محلاتهم، وتحسنت نوعاُ ما حركة البيع والشراء ولكن هذا مرهون باستقرار الوضع وفي حال عاود الاحتلال القصف، سيشهد المخيم موجة نزوح أخرى.
ويرى الغضبان أن استمرار حديث البعض عن أن المخيم فارغ تماماً من السكان، يخلق تبريراً لوكالة "أونروا" في عدم إعادة فتح عياداتها، ولكن هناك بعض المحلات والدكاكين والمؤسسات والصيدليات فتحت أبوابها وبدأت الناس تشعر بالراحة النفسية بعض الشيء و"لكن الاستمرار غير مضمون".
خوف أهالي مخيم شاتيلا لم يمنعهم من العودة والاحتياجات غير متوفرة في النزوح
ذات القلق، يعيشه اللاجئون الفلسطينيون داخل مخيم شاتيلا القريب أيضاً من ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يصف مسؤول اللجنة الشعبية في المخيم ناجي الدوالي وضع الناس هناك بالصعب جداً وبأنهم "خائفون"، لكنه يستدرك بأن الحياة داخل المخيم طبيعية، خاصة أن اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا خلال الفترة الماضية عادوا إلى منازلهم "فيما العائلات التي ما زالت نازحة تعد على أصابع اليد".
يرى الدوالي أن سبب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المخيم رغم أن تهديدات القصف "الإسرائيلي" لم تتبدد هو "غياب وكالة (أونروا) تماماً، وعدم تنفيذها لخطة إيواء كاملة، وبالتالي فقد اللاجئون الثقة بها ما دفعهم إلى العودة"
ويشير الدوالي إلى أن بعض المؤسسات تعمل داخل المخيم وتوزع الأدوية على المرضى والمساعدات على الأهالي بعد توقف خدمات وكالة "أونروا" فيه، ولكنه يؤكد أن أياً من المؤسسات لن تستطيع أن تأخذ دور "أونروا" أو تلبي الاحتياجات كما تفعل الوكالة.
لم يعد أهالي المخيم وحدهم إليه فقط، بل عاد أيضاً نحو 86 عائلة أخرى من نازحين لبنانين وفلسطينيين، موضحاً أن هذا التوزع غير ثابت في المخيم والوضع متغير، وحركة النزوح والدخول مرتبطة بشكل مباشر بالأوضاع الأمنية المتغيرة.
أحمد أيوب، أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين عادوا إلى المخيم بعد أن نزح إلى بيت أقاربه في منطقة طريق الجديدة ببيروت، يؤكد أنه ما يزال يشعر بالخوف "فعدونا غدار ومن المحتمل أن يضرب المحيط في أي لحظة"، ولكن يرى ان البقاء في منزله رغم عدم الأمان أفضل من التشتت في بيوت الأقارب، "بينما الوضع مترد في مراكز الإيواء التي تديرها (أونروا)" بحسب وصفه.
يطالب أيوب وكالة "أونروا" أن تتحمل مسؤولياتها إزاء اللاجئين الفلسطينيين الذين يضطرون لمغادرة بيوتهم واللجوء إلى أماكن خارجها، مشيراً إلى الصعوبات التي كان يواجهها في الحصول على دوائه الشهري (لمرض ضغط الدم) الذي كان يضطر من أجل الحصول عليه التوجه إلى مركز للوكالة في منطقة المصيطبة وما يزال مضطراً لذلك رغم خطورة الطريق، بينما الوكالة لم تعد فتح عيادتها في المخيم.
مخيم مار الياس مقصد عشرات العائلات الفلسطينية من المناطق المستهدفة
في المقابل، ما تزال عيادة وكالة "أونروا" تعمل في مخيم مار الياس وسط بيروت والبعيد نسبياً عن مناطق الاستهداف "الإسرائيلي" ما يجعله أكثر المخيمات أمناً في العاصمة اللبنانية، لذا وجدت مئات العائلات الفلسطينية واللبنانية والسورية به ملاذاً آمناً بعدما اضطرت إلى النزوح من جنوبي لبنان وجنوب بيروت.
تقول الناشطة الاجتماعية غادة عثمان شكل مقصداً لأكثر من مائة وخمسين عائلة قدمت من مخيم برج البراجنة جنوب بيروت ومخيمات مدينة صور جنوبي لبنان، ولكن في المقابل من يعمل على إغاثة هؤلاء النازحين هم الناشطون والمؤسسات في المخيم، حيث لم تعتمد وكالة "أونروا" مركزاً رسمياً للإيواء داخله، كما أنها لا توفر احتياجات النازحين إلى بيوت المخيم.
وفي ذات السياق، يقول مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم مارالياس اأو عماد شاتيلا أن المخيم استقبل مائتي عائلة من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة ومخيمات جنوبي لبنان، بالإضافة إلى خمسين عائلة لبنانية من الجنوب، ومعظمهم يسكون عند أقاربهم أو أصدقاء، وبعضهم استطاع استئجار بيوت، ما زاد من الاكتظاظ السكاني داخل المخيم. وعلى هذا الأساس تقدم اللجنة الشعبية عبر مؤسسة (بصمة وتغيير) حوالي 300 وجبة ساخنة، وهناك مطبخ يقوم بدور معين ويقدم الوجبات للنازحين.
يتحدث شاتيلا عن الدور الذي تقوم به اللجنة الشعبية في هذا الظرف، قائلاً: أنها تدير عمل المتطوعين والمؤسسات الإغاثية كجمعية (بصمة وتغيير) و (جمعية المرأة الخيرية) ويشير إلى وجود لجنة طوارئ داخل المخيم مشكلة من ممثلين عن عدد من المؤسسات تحت إدارة اللجنة الشعبية، وتقوم بمهام الإحصاء وإعداد الكشوفات حول عدد النازحين وتوزعهم في المخيم واحتياجاتهم.
لكنه يستدرك أن كل هذه المبادرات والجهود غير كافية، حيث تظل هناك كثير من الاحتياجات لا تتمكن لجنة الطوارئ من تأمينها، ومنها الأدوية.
يضيف شاتيلا: إن وكالة "أونروا" فتحت عيادتها داخل المخيم وهذا عملياً اراح الوضع نسبياً، بالإضافة إلى فرق النظافة تقوم بعملها في إزالة النفايات رغم تضاعف حجم النفايات نتيجة الاكتظاظ، مشيراً إلى مستوى التضامن الواسع داخل المخيم، ولكنه يؤكد وجود حالة من القلق بسبب "غموض الحرب واتساعها واستمرارها وعدم التبؤ بما ستشهده الأيام المقبلة".
إعلان منتصف المقال
بوابة اللاجئين الفلسطينيين