recent
أخبار الساخنة

"نيويورك تايمز" تروي قصة اجتياحي جنين





تمتلئ شاشاتنا مرة أخرى بصور نساء وأطفال وكبار يبكون وهم يسيرون في الشارع وأيديهم مرفوعة أو يلوحون بالملابس البيضاء من المركبات البطيئة الحركة. شهد الفلسطينيون هذا من قبل، بعد أن عاشوا تاريخًا طويلًا من عمليات الطرد من منازلهم وقراهم تحت تهديد النيران.

جاءت أحدث الصور الأسبوع الماضي خلال الاجتياح "الإسرائيلي" لمخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة. أعاقت حواجز عسكرية المراسلين وسيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، التي كانت تكافح للوصول إلى الجرحى.

في فعالية في الرابع من تموز/ يوليو في القدس، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي هاجم "الهدف الأكثر شرعية على هذا الكوكب - الأشخاص الذين سيبيدون بلدنا". كان يشير إلى أشهر من المقاومة المسلحة ضد المستوطنين "الإسرائيليين" من قبل شبان في مخيم جنين للاجئين.

قبل أكثر من عشرين عاماً، قاد رئيس وزراء يميني آخر، هو أرييل شارون، حملة عسكرية واسعة ضد مخيم اللاجئين ذاته. حدث ذلك بعد مرور سنتين على الانتفاضة الفلسطينية الثانية. هاجم انتحاريون فلسطينيون، بعضهم من جنين، شوارع "إسرائيل". رداً على ذلك، اجتاح الجيش "الإسرائيلي" الضفة الغربية ودمر مخيم جنين للاجئين، الذي كان آنذاك، كما هو حاله الآن، مركزاً للمقاومة الفلسطينية.

تكشف الغزوتان سياقين مختلفين إلى حد كبير. بين العامين 2002 و2023، تفكك وهم تقسيم الأرض إلى دولتين. هو موجود الآن فقط ضمن نقاط الحوار الدبلوماسية، التي تم تفريغها من كل معنى، واستبدالها بإجماع بين منظمات حقوق الإنسان الدولية و"الإسرائيلية"، بما في ذلك بتسيلم وهيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، على أن "إسرائيل" تمارس جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، مبرهنة بذلك ما يعتقده الفلسطينيون منذ زمن طويل.

بالنسبة لمعظم اليهود "الإسرائيليين"، فإن هذا التحول بالكاد يمكن إدراكه، حيث هم محميون بشكل فعال من تكلفة سياسات حكومتهم تجاه الفلسطينيين. في غضون ذلك، يعاني الفلسطينيون من اليأس والإرهاق المتزايدين بسبب العنف البنيوي اليومي. مع غياب أي أمل في قيام الدولة، وعدم وجود قيادة سياسية قابلة للحياة لقيادة النضال، يأخذ البعض زمام الأمور بأيديهم من خلال أشكال المقاومة المسلحة وغير المسلحة، والبعض الآخر غير مبالٍ أو منشغل بالجهود المضنية لدعم أسرهم، ويعيش الكثير منهم في خوف.

في العام 2002، على الرغم من تعثر جولات من المفاوضات المتلاحقة بوساطة أمريكية، كان لا يزال هناك أمل - وتوقع - في استئناف عملية السلام. تم الترويج لحل الدولتين على أنه الخيار الوحيد للسلام. كان إطار التقسيم الإقليمي - الذي ستنسحب منه "إسرائيل" من الأراضي التي احتلتها في العام 1967 مقابل السلام مع الفلسطينيين وجيرانها العرب - هو النهج السائد في صنع السياسة.

لكن، ومع انتهاء الانتفاضة الثانية، كثفت "إسرائيل" الإجراءات العملية لتوسيع احتلالها وتقويض حل الدولتين مع الحفاظ على التظاهر الدبلوماسي بالانخراط في جهود السلام. بتمويل من المانحين الغربيين والعرب، عمدت "إسرائيل" إلى تهدئة الضفة الغربية بحوافز نيوليبرالية حتى في الوقت الذي أفرغت فيه قلب اقتصادها وقسمت الأرض الفلسطينية بتوسيع المستوطنات. ونفذت إجراءات التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وحولت الحكومة الفلسطينية إلى شريك رئيسي لضبط المقاومة المحلية. بدأت السلطة الفلسطينية، من جانبها، أجندة موسعة لبناء الدولة، حيث سعت إلى إبراز صورة لسلطة لها سيطرة؛ صورة ترسي أسس دولة فلسطينية مستقبلية.

في عهد السيد شارون، أعادت "إسرائيل: أيضًا تشكيل احتلالها لقطاع غزة من جانب واحد، وتفكيك مستوطناتها وبدء فك ارتباط إقليمي احتفل به مؤيدو حل الدولتين - ربما بشكل حقيقي، ولكن بسذاجة - كخطوة نحو السلام، خطوة أظهرت إمكانية الانسحاب "الإسرائيلي" من الأراضي ما يمهد الطريق لحكم فلسطيني في نهاية المطاف.

لقطاع غزة، مثل جنين، تاريخ في مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي". مع صعود حماس إلى السلطة في العام 2006، شددت "إسرائيل"، بالتنسيق مع مصر، حصارًا محكمًا على القطاع، وفصلته فعليًا عن بقية فلسطين، وجربت تقنيات عسكرية لإجبار السكان على الخضوع.

إلى جانب سياسات تقييد الغذاء وخنق الاقتصاد، اتخذ هذا شكل هجمات عسكرية مدمرة. أشار الجيش إلى هذه العقيدة على أنها "جز العشب"، وهو نهج استخدام القوة العسكرية غير المتناسبة لإضعاف المقاومة الفلسطينية بشكل دوري وإدارة حالة الغضب السكاني المضطرب ضد السيطرة "الإسرائيلية".

خلال الأسبوع الماضي، حولت إسرائيل هذا النهج العسكري، المتقن في قطاع غزة، إلى الضفة الغربية، حيث طوقت مخيم اللاجئين في جنين، وقصفته جواً وبراً، ودمرت البنية التحتية الحيوية للمياه والكهرباء كشكل من أشكال العقاب الجماعي.

في الفترة الفاصلة بين عمليتي غزو جنين، تم طرد الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية بشكل منهجي - من خلال مصادرة الأراضي وهدم المنازل وتوسيع المستوطنات - إلى مراكز حضرية معزولة تحيط بها أراض تحتلها "إسرائيل". تمامًا مثل غزة، يمكن الآن أن تكون معظم المراكز الحضرية في الضفة الغربية، بين عشية وضحاها، معزولة تمامًا عن النظام البيئي المحيط بها، كما شوهد في جنين.

اليوم، ليست هناك حاجة للمسؤولين "الإسرائيليين" لتلبيس سياساتهم خوفًا من الانتقام الدبلوماسي، أو للتخفيف من افتراض التقسيم النهائي. إن التحول في الثقافة السياسية "الإسرائيلية" الذي تسارع بعد عنف الانتفاضة الثانية والإفلات من العقاب الذي تتمتع به "إسرائيل" دوليًا قد بلغ ذروته في أكثر الحكومات يمينية في تاريخ "إسرائيل".

في العقدين الماضيين بين هذه الغزوات، أعرب المسؤولون "الإسرائيليون" عن رغبتهم الصريحة في تعزيز ما وصفته منظمة حقوق الإنسان "الإسرائيلية" (بتسيلم) "بنظام التفوق اليهودي" في جميع المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. قبل أقل من أسبوعين من الغزو الأخير، حث وزير الأمن القومي "الإسرائيلي"، إيتمار بن غفير، الحكومة على شن هجوم عسكري بينما حث على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. قال: "يجب أن يكون هناك استيطان كامل هنا". وأضاف: "علينا استيطان أرض "إسرائيل" وفي نفس الوقت نحتاج إلى شن حملة عسكرية وتفجير مبان واغتيال إرهابيين. ليس واحدًا أو اثنين، بل العشرات أو المئات، أو الآلاف إذا لزم الأمر".

في هذه الأثناء، تم دمج السلطة الفلسطينية، التي تتأرجح على حطام خططها لإقامة دولة، بشكل لا رجعة فيه في هيكل الفصل العنصري "الإسرائيلي"، مع الحفاظ على سلطة تشبه البانتوستانات التي تساعد على تهدئة سكانها لتحقيق مكاسب "إسرائيلية".

ضمن هذا السياق المتطور يوجد ثابت فريد: قدرة "إسرائيل" على الحفاظ على استيطانها للأراضي الفلسطينية دون محاسبة، بينما تتم مساواة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب. لقد تم قبول هذا التأطير منذ فترة طويلة بين القوى الغربية الكبرى، وهو أمر مزعج للفلسطينيين بشكل خاص في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يتم الترحيب بمقاومة الاحتلال غير القانوني على أنها بطولية ويدعمها الغرب بالأسلحة والتدريب العسكري.

ترك المجتمع الدولي الفلسطينيين في حالة دائمة من انعدام الجنسية، وحرمانهم من حق تقرير المصير والدفاع عن النفس. بينما يستخدم المسؤولون الإسرائيليون تصريحات عنصرية صريحة، مثل القول بأنه يجب على "إسرائيل" "محو" بلدة فلسطينية بأكملها، وإدارة بايدن تضغط من أجل اندماج "إسرائيل" في المنطقة من خلال اتفاقيات السلام الثنائية، بناءً على اتفاقات أبراهام التي أبرمتها إدارة ترامب، وبالكاد تشير إلى الحقوق الفلسطينية.

تحول سكان مخيم جنين، الذين فر بعضهم من منازلهم فيما يعرف الآن بإسرائيل في العام 1948، إلى لاجئين مرة أخرى. وبعض الأطفال الصغار الذين كانوا في المخيم في العام 2002 هم الآن من شباب المقاومة الفلسطينية. كما علمنا تاريخ النضالات الأخرى ضد الفصل العنصري والعنف الاستعماري، فإن أطفال اليوم سيحملون السلاح بلا شك لمقاومة مثل هذه الهيمنة في المستقبل، إلى أن يتم تفكيك هياكل السيطرة هذه.

--------------------

العنوان الأصلي: The Tale of Two Invasions: What the Last Attack on Jenin Tells Us About Israel Now

الكاتب: Tareq Baconi*

*طارق البقعوني محلل كبير سابق لإسرائيل/ فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية ومؤلف كتاب "احتواء حماس". يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية.

المصدر: The New York Times

التاريخ: 10 تموز/يوليو 2023

google-playkhamsatmostaqltradent