تحافظ القدس على مركزيتها بالرغم من الظروف المحلية و الإقليمية و الدولية ، تلك
الظروف التي يستغلها العدو افضل استغلال ، فيحاول ان ينفذ مخططاته التهويدية
في المدينة المقدسة ظنا منه ان الرياح تجري لصالحه ، و حتى لا يضيع الفرص
التي يكتسبها بقوة البطش و الارهاب و بضعف السياسة الفلسطينية و رداءة الواقع
العربي . ان العدو المتغول في عدوانه يعتبر نفسه في سباق مع الزمن ، ذلك لوجود
واقع فلسطيني منقسم ، و فراغ في المؤسسات الرسمية ، و تفرد في القرارات
المصيرية ، و عدم جرأة في اتخاذ المواقف الحازمة التي تستدعيها الضرورة و الواجب
الوطني و على رأس تلك المواقف وقف التنسيق الامني و منع الاتصال بالعدو
تحت اي مسمى ، و اطلاق يد المقاومة و الثورة الشعبية . هذا بالضبط ما فعله
الراحل ابو عمار عندما كان الامر اقل خطورة مما هو عليه الآن ، تلك المواقف
التي أدت لانطلاق الانتفاضة الثانية ، وقيام المقاومة المسلحة عملياتها البطولية ،
و هو ما أدى لانكفاء المخطط الصهيوني حينها ، و التفاف الشعب الفلسطيني
كله في اطار واحد ، و وقوف العرب عموما صفا واحدا خلف الموقف الفلسطيني،
وفرض تدخل الدول والمؤسسات الدولية لمنع تفاقم الاوضاع . لقد خلط الموقف
الفلسطيني كافة الاوراق ، و اعاد الامور الى اطارها الطبيعي ألا وهو الصراع
و المواجهة بكافة أشكالها . لقد تكبدنا خسائر ، و كبدنا العدو خسائر جسيمة بشرية
واقتصادية ونفسية بالإضافة للخسارة السياسية عالميا ، و كانت النتيجة احباط
مشاريع التهويد التي كان يقودها المجرم شارون ومعه المؤسسات الصهيونية . و في
هذه المرحلة يستفيد العدو من الواقع العربي المتخاذل ، حيث تخلت الدول العربية
عن مسؤولياتها تجاه اولى القبلتين وثالث الحرمين ، بل إن بعضها يدعم العدو
سرا و علانية ، و اقل المواقف العربية ضررا هي مواقف الساكتين عما
يحصل من عدوان على القدس و عن المخاطر التي تهدد المدينة المدينة المقدسة !
ولا فإنهم في قنواتهم السرية مع قادة الاحتلال يؤيدون الممارسات الاجرامية
بحق الشعب الفلسطيني وبحق المقدسات الإسلامية في القدس . لكن يبقى
علينا المراهنة على الشعوب العربية من محيطها الى خليجها التي تتعاطف
مع نضال شعبنا ، ولا تقبل المساس أقدس مقدسات المسلمين . ان دور شعبنا
و تصاعد كفاحه هو الذي يستنهض همم الشعوب العربية ، وربما يؤدي لقلب
الطاولة على رؤوس الحكام المطبعين ويجبرون على إلغاء التطبيع و الاتفاقيات
المهينة مع العدو ، و لو حصل هذا فإن حلقة مهمة من حلقات المشروع الصهيوني
المتمثلة باختراق الامة العربية و تطبيع العلاقات السياسية والاجتماعية قد فشلت
و عادت الامور الى مربعها الطبيعي القائم على العداء و الصراع . أن المتحكم
والممسك بأوراق القوة هم الفلسطينيون ، لأنهم الوحيدون القادرون على انتزاع
زمام المبادرة من ايدي المجرمين الصهاينة ، لكنهم بحاجة لمواقف قوية لا ميوعة
فيها و لا مساومة عليها ، مواقف تنقل حلبة المواجهة الى قلب كيانه الاحتلالي ،
حتى تستعيد القضية الفلسطينية موقعها الطبيعي عالميا ، كقضية عادلة لم تحل
بعد ، نتيجة للعدوان و للأطماع الصهيونية . إن العدو الذي يستفيد من الدعم الامريكي
غير المحدود و من الصمت الغربي على ممارساته ، و من وجود الجائحة القاتلة ،
سيكون مضطرا للوقوف في وجه الرأي العام العالمي عندما تتصاعد الامور
الى ذروتها ، لان سادية العدو و إفراطه في استخدام آلته العسكرية في وجه
شعب شبه أعزل سيكون له تداعياته على المجتمعات الغربية وعلى المؤسسات
الحقوقية والأهلية وحتى الرسمية . و لكن علينا استخدام ما نملكه من أوراق القوة
و اهمها القرارات الدولية التي تعتبر القدس محتلة ، و الانطلاق لمحاكمة القادة
الصهاينة و معهم كافة مجرمي الحرب الى محكمة الجنايات الدولية ، على جرائمهم
القديمة و الحديثة بحق الشعب الفلسطيني . نحن نملك الكثير من مواقع القوة فإما
ان نستخدمها استخداما قويا و نحقق النصر في معركتنا على القدس ، و إما أن
نبقى على مواقفنا المترددة و الضعيفة ، و يبقى شعبنا يواجه بصدره العاري
و بدمائه الزكية وحيدا دون غطاء عربي او دولي . ان مقاومة اهلنا في القدس
و معهم المرابطين ممن يتمكنون من الوصول الى القدس اعادت للقدس خصوصا
و للقضية الفلسطينية عموما صدارتها و مركزيتها ، لكنها تبقى هبات لا تحطم
المشاريع التهويدية ما لم تواكب بأفعال تهز كيان الاحتلال و تجعله يحسب الف
حساب قبل إقدامه على تنفيذ مغامراته التهويدية .
ماهر الصديق
إعلان منتصف المقال