recent
أخبار الساخنة

*عمر أبو ليلى عنوان مرحلةٍ جديدة بقلم الحاج رفعت شناعة*

الصفحة الرئيسية


ما قام به الشهيد عمر أبو ليلى من عمل بطولي مميَّز لم يكن عملاً إنفعالياً، أو ترجمة لحالة اليأس والاحباط السائدة في الوسط الفلسطيني, في ظل المعاناة القائمة والمتواصلة، وانما كانت عمليتُه الجريئةُ ردَّ فعلٍ صارمٍ على ما يشهده بأم عينه يومياً من جرائم، ومجازر يمارسها الاحتلال الصهيوني. وردُّ الفعل الصارم على العنصرية الاسرائيلية لم يكن عفوياً، وانما كان انعكاساً واضحاً لما تراكم في أعماقه من أحقادٍ على هذا المحتل المغتصب للأرض، ومن مشاعر الغضب التي تحتاج إلى ترجمةٍ دقيقة وواعية، لما يجول في الصدور وفي العقول.
إنَّ الانتهاكات الصهيونية اليومية في كل أنحاء الاراضي المحتلة، وعلى مدار الاربع والعشرين ساعة، والتي شملت كافة مناحي الحياة تحت الاحتلال الكامل والشامل. والامر لم يتوقف عند المضايقات على الحواجز، واعتداءات المستوطنين على الاراضي، والبيوت، واحراقها بمن فيها كما حصل مع أسرة دوابشة، والاعتداء على المساجد والكنائس، وخطف الشبان واحراقهم ثم قتلهم, كما حصل في جريمة محمد أبو خضير من القدس, والذي أُعدم في قرية دير ياسين. ولكن علينا أن نتذكر أيضاً عمليات القتل الميدانية في الشوارع للشبان والفتيات، وتركهم ينزفون حتى الموت، وعدم السماح لسيارات الإسعاف بنقلهم قبل أن يفارقوا الحياة.
إضافة إلى ماذكر، فإنه وبشكل يومي يتم تدنيس المقدسات وخاصة في المسجد الأقصى، كما يتم العمل الجاد من أجل التقاسم الزماني والمكاني، كمرحلة أولى، بانتظار استكمال إجراءات الحفريات، والانفاق تحت الأقصى, من أجل تدمير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل مكانه, وخاصة ما يجري من محاولات دائمة بإقفال مصلى باب الرحمة بوجه المصلين المسلمين, الذين يصرون على فتحه، ويصطدمون بجنود الاحتلال. والواضح أنَّ كلَّ أشكال العدوان اليومي الصهيوني انما تتم بدعم مطلق، وغطاء كامل من قبل الولايات المتحدة الأميركية, وتحديداً من الرئيس الصهيوني الاميركي ترامب، صاحب صفقة القرن المدمِّرة للحقوق الوطنية الفلسطينية، والهادفة إلى تمكين الكيان الصهيوني من تنفيذ الاحلام الصهيونية في المنطقة، بما في ذلك توسيع النفوذ السياسي، والأمني، والاقتصادي، والهيمنة على الوطن العربي، أي من الفرات إلى النيل.
إنطلاقاً مما ذكرنا، نريد أن نقرأ وبتعمُّق السلوكَ الوطني والثوري، والقناعات الإيمانية الراسخة، التي تتفاعلُ وبحرارةٍ شبابية ملتهبة، تعرفُ أين تصبُّ جامَ غضبها المتراكم والمُختزن, عبر مسلسل الجرائم اليومية الصهيونية. وهذا المنطق الايماني والثوري، والوطني نجده عند مجموعة من الشباب، الذين استُشهدوا أو اعتقلوا، لأنهم تجرأوا على هيبة الكيان الصهيوني، واجراءاته الأمنية والعسكرية، ومرَّغوا بالتراب هيبة هذا الجيش الذي كان يقف مشدوها مذهولاً أمام مقاتلي شعبنا, وأمام جماهيرنا التي كانت تشتبك وتصطدم بالجيش الصهيوني المحتل.
لقد جاءت عملية الشهيد عمر أبو ليلى متزامنةً مع تحديات هائلة وجائرة سواء ما يحدث لشعبنا في قطاع غزة من الخارج.
أو من الداخل، وأعني أنها رسالة واضحة مفادها أنَّ الشعب الفلسطيني لا يركع ولا يستسلم لإدارة المحتل، والرسالة الثانية أن هذا الشعب المعطاء وصاحب التاريخ النضالي العريق لا يمكن تدجينه, أوتطويعهُ لصالح أي جهة فلسطينية أو اقليمية، أو دولية، لأنَّ الدم الذي ينبض في عروقه، وينزف من شرايينه هو دم فلسطيني مُضمَّخ بطيب الايمان، ومعتَّق بحبر سجلات الشهداء، وهذا الدم ليس للبيع والتجارة، وانما هو لصناعة الامجاد، وحماية المقدسات، وتوثيق وصايا الشهداء.
إنَّ ما قام به الشهيد عمر أبو ليلى من عملية بطولية أقلقت وأقضَّت مضاجعَ أركان العدو الاسرائيلي, وقياداته السابقة, لأنهم عادوا بالذاكرة إلى بداية الكفاح المسلح، ونبشوا التاريخ للتعرف على هذا الاسم, وعلى جذور أصالته الوطنية، وتبيَّن لهم أن الشهيد الشاب عمر أبو ليلى تعودُ سلالتُه الفتحوية والوطنية إلى البطل الشهيد عمر أبو ليلى ابن جنين, الذي نفَّذ عملية تاريخية ثم اعُتقل، وتم نقله بسيارة عسكرية إلى المعتقل، ورغم أنه كان مكبّلاً بالقيود, لكنه حاول الاجهازَ على السائق الذي يقود السيارة العسكرية، لكنَّ السائق كان متنبِّها وسلاحه بين يديه، فسارع إلى إطلاق النار عليه واستشهد عمر أبو ليلى الفتحاوي الأصيل، لكنه وُلد كمقاتل فتحاوي من جديد بشخص هذا المقاتل الشاب ابن التاسعة عشرة سنة.
الشهيد عمر الثائر المتمِّيز نفَّذ عمليةً ملؤها الجرأة والتحدي، العملية بدأت على مفترق مستوطنة أرئيل الواسعة في مساحتها، والممتدة في أراضي الضفة الغربية، وكانت العملية قمةَ التحدي لعنفوان جيش العدوان الصهيوني. ما قام به الشهيد أيقظ الضمائر، وحرَّك المشاعر الانسانية الساكتة طوال سبعين عاماً على الصمت الدولي، والاستمرار في حماية الكيان الصهيوني المحتل لأرضنا.
إذا أردنا أن ندقق جيداً في خفايا ومضمون هذا العمل البطولي، وكيف تصرَّفت قيادة الاحتلال المسكونة بحالة من الرعب، علينا أن نراقب الخطة التي وضعتها قيادة الجيش الصهيوني، فهم وبسبب الرعب والخوف حاولوا تجنُّب أي صدام مباشر مع الفدائي المسكون بقلب أسد. فحشدوا الجيش، ووحدات الاحتياط, لإغراق المكان الذي يختبئ فيه بالقذائف، والقنابل، والرصاص, وهدم الغرفة فوق رأسه حتى لا يراهم، وحتى لا يشاهدوه.
والموقف الثاني الذي يستحق الاحترام، والاعجاب، والتقدير هو بداية تنفيذ العملية، فهو مصمم على ذلك حتى ينال شرف الشهادة، ولذلك هو حمل السكين لأنه لا يملك السلاح، و لكن كيف لو كان يحمل السلاح ؟ ماذا كان سيفعل ؟ لقد اقتحم الموقع العسكري المجاور للحاجز، وبسرعة البرق قام بطعن الجندي بالسكين، وامتشق منه السلاح، وبعد التأكد من مقتله، سارع إلى اقتحام مستوطنة أرئيل، وإطلاق الرصاص على عربات المستوطنين وهو يشعر بنشوة النصر .
والملاحظة الثالثة الجوهرية هي إصرار عمر أبو ليلى على مواصلة تنفيذ خطته المرسومة رغم الصعوبات والتعقيدات التي تواجهه, وانتقل من سلفيت المخنوقة بالاجراءات الامنية, ليصل إلى قرية عبوين قضاء رام الله, حتى يستطيع التنروُّد بما يحتاج في هذه المهمة المقدسة .
الاحتلال كان يتعقَّبه من مكان إلى آخر عبر الكاميرات المنتشرة بكثافة سواء في المدن, أو القرى, أو التلال, أو الأودية, إضافة إلى بعض الجواسيس, والذين يضعون أنفسهم بخدمة الاحتلال .
الظروف لم تسعف البطل عمر أبو ليلى لتحقيق ما تبقى من شهوته الوطنية في الاقتصاص من المجرمين الصهاينة .
الخلاصة التي نريد التوصُّلَ إليها وهي أنَّ ما نفذه عمر أبو ليلى, وغيره من الابطال في هذه المرحلة الأخيرة مثل صالح البرغوثي, وأشرف نعالوه, وأحمد مناصره, ورائد هاشم حمدان, وزياد عناد نوري, وقبلهم أحمد نصر جرار, وأحمد إسماعيل جرار..
أمثال هؤلاء يصنعون اليوم مرحلةً متطورةً وناضجة في مقاومة الاحتلال, وتهيئة الظروف للانتقال إلى مرحلة جديدة تشكل رداً ثورياً ووطنياً فاعلاً على الاعتداءات الصهيونية المتواصلة .
فلكل فعل ردُّ فعلٍ مصنوع في هذه الثورة التي انطلقت في العام 1965, ومازالت تشقُّ طريقها بعناد, ودون تردد, وشعبنا هو الذي يتمترس في الخندق الأمامي لحماية هذه الثورة ومنع تصفيتها .
الجدير ذكره اليوم أن أبواب المستقبل مفتوحة أمامَ كفاحنا الوطني, وعلى كل الأصعدة خاصة المقاومة بكل أشكالها, وبما يوجع الإحتلال, ويفرض عليه إعادة حساباته, وأن يتذكَّر بأن القوة العسكرية, والبطش, مهما كانت وحشيته لا تلغي الحقوق المشروعة . ونحن نراهن على مجموعة قضايا جوهرية واقعية:
أولاً: نراهن على هذا الجيل الصاعد الممتلئ بالقوة, والايمان, والشجاعة, والمستعد للتضحية مهما كانت الظروف قاسية .
ثانياً: إنَّ ما شاهدناه ولمسناه من خلال العمليات الجريئة بأن العدو الاسرائيلي جبانٌ, ويرتجف عندما يرى الفدائي الفلسطيني, وليس مستعداً للمواجهة, وانما هو مستعدٌ للغدر, واستهداف المدنيين والأطفال .
ثاالثاً: نحن نراهن على اتساع وكثافة المقاومة الشعبية, لأن الجرائم التي استهدفت أبناء شعبنا خاصة المدنيين شكلت عاملاً تحريضياً مؤثراً, والخيارات المستقبلية بدأت تتمركز حول خيار تصعيد مقاومة الاحتلال .
رابعاً: لم يعد خافياً بأنَّ اتفاق أوسلو الذي تجاهله الاحتلال, وقيادتنا اعتبرته أيضاً منتهياً منذ 1999, وأنه من حق أي طرف من الطرفين أن يعلن عن فك العلاقة باتفاق أوسلو, والسلطة عبَّرت عدة مرات عن أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات فك التعاقد, وإلغاء كل ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين بما في ذلك الاعتراف المتبادل .
خامساً: لا شك أنَّ فك العلاقة باتفاق أوسلو يحتاج إلى موقف فلسطيني موحَّد, وخاصة ضرورةَ الوضوحِ في موقف حركة حماس من الاتفاقات الموقَّع عليها حول المصالحة, وأنَّ اصرار حركة حماس على موقفها في قطاع غزة سيؤدي إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية, وتكريس صفقة القرن, وتضييع على الأقل ثلاثة وخمسين عاماً من عمر النضال الفلسطيني .
بصراحة: الكرة في ملعب قيادة حركة حماس، لأنَّ صفقة العصر يعتمد تنفيذها فلسطينياً على فصل القطاع عن الضفة, واقامة كيان فلسطيني في القطاع بعيداً عن الضفة, وتعترف به الولايات المتحدة واسرائيل، وبعض الدول الاقليمية المؤيدة لسياسة ترامب .
الوضع خطير, والقارب الوطني, وامكانيةُ النجاة تتوقف على  أن يكون الصفُّ الفلسطيني وطنياً موحداً, في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وإلاَّ فالخطر داهم  .
الحاج رفعت شناعة
عضو المجلس الثوري
مسؤول الاعلام المركزي
29/3/2019
google-playkhamsatmostaqltradent