إعلان منتصف المقال
غزة- الخليج أونلاين (خاص)
تواجه قضية اللاجئين الفلسطينيين أصعب وأخطر مراحل وجودها؛ بعد دخولها نفق المخطَّطات الأمريكية والإسرائيلية الطويل والمؤدّي في نهايته إلى طريق واحدة تصبّ في مخطّط إنهاء حلم العودة للأبد، وإسقاط حق اللاجئين في أرضهم ووطنهم.
وبعد تجفيف المنابع المالية لوكالة "الأونروا"، الشاهد الحيّ الوحيد على قضية ومعاناة ملايين اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، وإدخالها في مربع الأزمات الطاحنة التي تهدِّد وجودها وخدماتها، بدأت رائحة طبخة أمريكية تُجهَّز بعناية ضد قضية اللاجئين.
وبحسب ما سُرّب من معلومات، فإن أعضاء في الكونغرس الأمريكي يخطِّطون لتقديم مشروع قانون جديد لتخفيض تمويل "الأونروا"، يقضي بالاعتراف فقط بنحو 40 ألف لاجئ فلسطيني، وهم الذين ما زالوا على قيد الحياة منذ النكبة، عام 48.
وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، يوم 30 يوليو الماضي: إن "القانون يسمح للإدارة الأمريكية بتقليص الدعم المادي المقدَّم للأونروا بما يتناسب فقط مع احتياجات الأربعين ألف لاجئ، وذلك خلافاً لما هو مسجَّل في الأونروا؛ نحو 5.2 ملايين لاجئ فلسطيني في دول العالم، حيث تعتبر منظَّمة اللاجئين أن أبناء وأحفاد اللاجئين هم أيضاً لاجئون، وهو ما يرفضه القانون الجديد".
مصير قرار 194
الطبخة الأمريكية الجديدة التي تُعدّ ضد قضية اللاجئين، بحسب المدير العام للهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، علي هويدي، تعتبر من أخطر وأكبر مشاريع التصفية التي تستهدف اللاجئين وقضيتهم بشكل مباشر.
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أكّد هويدي أن هذا القانون الأمريكي سيكون بمنزلة ضربة قوية وموجعة لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم، ويتماشى تماماً مع كل المخطَّطات الإسرائيلية التي تهدف إلى إنهاء حلم العودة والقضاء على حق كل لاجئ بالعودة لأرضه ووطنه.
ولفت إلى أن "واشنطن شريكة ومتواطئة مع الاحتلال في تضييع وتغييب قضية اللاجئين، وهي تسانده من خلال المخطَّطات والضغوطات والابتزازات لتحقيق حلمه في إضاعة أكثر الحقوق الفلسطينية قدسية وتأثيراً، وما جرى مع الأونروا من تجفيف منابعها المالية كان مقدّمة لطرح هذه الخطة".
وعن أسباب وتأثير طرح المخطَّط الأمريكي في هذا التوقيت، أوضح هويدي أن "هدفها الرئيسي هو توطين اللاجئين في أماكن وجودهم، سواء في الدول المضيفة أو من خلال مخطَّطات الترحيل المستقبلية؛ لمحاصرتهم في أماكن محدَّدة وتشتيتهم في دول العالم".
"حصر عدد اللاجئين بـ40 ألفاً فقط، والعدد الحالي لهم هو 5.2 ملايين لاجئ، وأن عدد سكان مخيم عين الحلوة وحده 100 ألف لاجئ تقريباً، يؤكّد خطورة هذا المشروع في تفريغ قرار 194 من مضمونه في حال وجد هذا المشروع طريق التنفيذ على أرض الواقع"، يضيف هويدي.
وينصّ القرار (194) على "إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة، وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم، وتقرير حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع، لتؤدّي إلى تحقيق السلام بفلسطين في المستقبل".
ويلفت هويدي إلى أن المشروع يهدف كذلك إلى إزالة ملف اللاجئين عن طاولة المفاوضات، بعد إزالة ملف القدس، في أي جولة قادمة بين السلطة و"إسرائيل"، مؤكّداً أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعتبر أن "تقزيم" قضية اللاجئين وتفريغ كل القرارات التي تنتصر لحق العودة سيساعدان في إنهاء هذه القضية للأبد.
وشدَّد في ختام حديثه على أن قضية اللاجئين "ستبقى حاضرةً بقوة القرارات الدولية والأممية التي صدرت لدعمها، ولا يمكن لأي مشاريع أو قوانين أمريكية أو إسرائيلية شطبها، طالما بقي لاجئ واحد يدافع عن حقه بالعودة والوطن".
بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظَّمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبو هولي: "إن الكونغرس لا يملك حقّ تحديد أعداد اللاجئين الفلسطينيين"، وأشار "أبو هولي" إلى أن "من يحدِّد أعداد اللاجئين وتسجيلهم هي وكالة غوث، بصفتها الجهة الدولية المسؤولة عن رعاية وإغاثة وتشغيل اللاجئين".
وأضاف: "حق اللاجئين في العودة يشمل كل الأفراد المنحدرين من نسل اللاجئين، وهذا يشمل اللاجئين المسجَّلين وغير المسجَّلين في سجلات وكالة غوث الدولية (الأونروا)"، مؤكّداً أن صفة لاجئ "ستبقى قائمة وملازمة للفلسطينيين الذين هُجّروا من ديارهم، ولأبنائهم وأحفادهم، ما دام حقهم في العودة معطّلاً، ولن تزول هذه الصفة عنهم إلا بعودتهم إلى ديارهم التي هُجّروا منها عام 48، طبقاً للقرار 194".
وبيّن أنه لا يحقّ للكونغرس أن يسقط صفة "لاجئ" عن أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من ديارهم عام 48، معتبراً تحرّكات الكونغرس في هذا الشأن "تمسّ بجهود الأمم المتحدة، وتدخّلاً في شؤون وكالة غوث الدولية".
وفي تفاصيل المشروع الأمريكي؛ نقلت الصحيفة العبرية عن السيناتور في مجلس الشيوخ الأمريكي، داغ لامبوران، أنه يحتاج إلى حشد 10 أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ، وأن القانون سيسمح للإدارة الأمريكية بدعم "الأونروا" فقط في حال تم توطين اللاجئين، وزعم أيضاً أن الفلسطينيين ليسوا لاجئين، وبالأخصّ من يوجدون في قطاع غزة، وسيمنح القانون الدعم فقط لمن يستحقّه.
اقرأ أيضاً
وكالة الغوث الدولية تعلن "الحرب" على موظفيها في غزة
القرار الأخطر
"هذا القرار من شأنه أن يفجِّر قضية اللاجئين بأكملها، وقد يصبح قانوناً في حال استجابت له الدول الكبرى وتماشت معه، وسيضيّع حقوق 5 ملايين لاجئ، ويفاقم معاناتهم ويضاعف أزمتهم"، يقول عصام عدوان، مسؤول دائرة اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "واشنطن أعلنت الحرب على قضية اللاجئين منذ زمن بعيد، وكل مخطَّطاتها العنصرية والتصفوية تتساوق مع الاحتلال في إفراغ قضية اللاجئين من مضمونها ومواجهة المجتمع الدولي الذي أقرَّ بهذا الحق".
ويلفت إلى أن مواجهة هذا المشروع الخطير وغير المسبوق تأتي من خلال تمسُّك اللاجئين بحقهم في العودة، ورفض كل إغراءات التوطين والوطن البديل، مؤكّداً أن كل ما يُحاك ضد قضية اللاجئين "خطير، ويجب على الجميع التعاون لمواجهة إسرائيل والإدارة الأمريكية".
وكانت الولايات المتحدة أعلنت سابقاً قطع مساعداتها عن "الأونروا"؛ بذريعة أسباب تتعلّق بالخدمات التي تقدّمها الوكالة، خاصة المناهج التعليمية؛ ما أدّى إلى عجز مالي كبير اضطرت بسببه إلى تسريح مئات الموظفين العاملين في صفوفها، وتقليص بعض خدماتها الأساسية.
من جهته، قال المحلل السياسي غسان الخطيب: إن "مشروع القانون الأمريكي لا يؤثّر في القانون الدولي؛ لأن الدول يجب أن تسوي قوانينها مع القانون الدولي وليس العكس، والأصل في الموضوع هو القانون الدولي".
وأضاف أن سبب هذا المشروع واضح؛ وهو أن "أمريكا تسير في سياسة إخراج موضوعين من طاولة المفاوضات؛ هما: القدس، واللاجئون؛ بالاعتراف بالقدس عاصمة موحّدة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، واللاجئون بإنهاء الأونروا من خلال وقف المساعدات المقدَّمة لها، وكذلك القوانين كهذا الجديد، وهو جهد أمريكي-إسرائيلي مشترك".
ورأى الخطيب أن مجمل ما سيقوم عليه القانون، في حال تم التصديق عليه، الانسجام مع تقليص المساعدات الأمريكية لـ"الأونروا"، مشيراً إلى احتمالية سعي "إسرائيل" لتسويق القانون دولياً، "لكنها لن تنجح في ذلك، خاصة أن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال لم يجد قبولاً لدى دول العالم، خاصة أوروبا".
ويُنتظر أن تقوم إدارة الرئيس ترامب، خلال الأسابيع المقبلة، بنشر تقرير حول العدد الحقيقي للاجئين الفلسطينيين، وستكون النتيجة الأهم بالتقرير أن عدد اللاجئين فقط 40 ألف لاجئ فلسطيني لا غير.