يأبى ايلول الا ان يوقظنا كل عام على ذكرى أليمة . ذكرى استعصت على النسيان
مع الزمن و مكثت تدور في خلدنا يوما بعد يوم و عاما بعد عام . يأبى ايلول الا ان
يأتينا بخريفه و باوراقه الصفراء ، اوراق حملت لنا ايلول الاسود و صبرا و شاتيلا
و الحقت بهم كامب ديفيد و اوسلو و طابا ! و هاهو ايلول يعود الينا على احزان
متراكمة . على ما فقدناه في المجزرة من احبة و ما فقدناه بعد المجزرة من وحدة
و لحمة وطنية و ما حملته كوارث التسوية على شعبنا و قضيتنا و ما وصل اليه
حالنا في المخيمات البائسة من ظلم و قهر و تعسف . يرفض ايلول ان يغادرنا
بلا مآسي ، يريد ان يؤكد حضوره على أشلائنا . كأنه لا يرغب برؤية البسمة
على شفاه اطفالنا ، لا يريد الا ان يخلف بصمته السوداء على جراحنا ! صبرا
و اخوتها من مخيمات الشتات مكلومة تئن من وطأة الجراح . جراح لا تعد
و لا تحصى : فقر و صراعات و تخلي الامم و تنصل المؤسسات الصحية و الانسانية
و تغول الاشقاء الذين لا يرون للضيف حق بالحياة . هكذا بدت الحياة بعد انتهاء
العصابات الفاشية من جريمتها في المخيم الاعزل ! بعد قتلهم لآلاف الابرياء
بلا ذنب اقترفوه ، و بعد ان برأهم العالم من جريمتهم ، مضى شهداءنا الى باطن
الارض ومضى المجرمون يتبؤون المناصب و المسؤوليات و يتجولون في البلاد
و يسافرون بحرية و يُستقبلون في العواصم بافضل استقبال . عدالة عوجاء لا
تعرف للحق سبيل و عالم منافق يهضم حق الفقراء ، لكن الحق و إن ضاع
عند اصحاب المسؤوليات و صناع القرارات فإنه لا يموت عند الواحد القهار .
هكذا بدت الحياة في المخيم ! اناس يبحثون عن سبيل للخروج من جحيم ظلم ذوي
القربى الى بلاد لا تتحدث لغتهم و لا تشبههم في شئ ، لكن فيها قوانين.هناك حيث
لا يموت الانسان على مداخل المشافي لانه لا يقدر على دفع المستحقات و الادوية،
لا يمنع من العمل من اجل فلسطينيته . هناك حيث يتمكن من اعلان فلسطينيته على
رؤوس الاشهاد بلا قمع و ملاحقة و كراهية . آه من هذا الزمن العربي الغريب .
لقد كان العربي و على مدى قرون يلجأ لبلد عربي آخر عند شعوره بالظلم و القهر
في بلده ، و يعيش في البلد الجديد كمواطن مثل غيره من ابناء البلد . لم يكن يُعيّر
بمنشئه او بلهجته او بوظيفته فكل البلاد بلاده وهو يختار البيئة المناسبة له . اقفلت
كل الابواب العربية في وجهه ، فاخذ يبحث عن سراب خارج سربه ،و عن حياة
ليست كحياته، و عن مغامرة لا يعرف لها نهاية . هل نرثي احبتنا الذين سقطوا
في شاتيلا ام نتمنى لو كنا في مكانهم و لا نرى هذا الانحطاط العربي و هذا التخاذل
العالمي و هذا الواقع الفلسطيني ؟ انتم في البال يا اخوتنا الذين رحلتم بايدي الفاشيين.
لن ننساكم كما نسيكم القضاة و الساسة و الاعلام و النفاق الدولي ، انتم في البال
و لكل ظالم مجرم نهاية .