تعد نسبة كبيرة من الرجال الزواج الثاني على أنه عبء مالي واجتماعي، ليس لهم القدرة على تحمله، رغم رغبتهم الشديدة في تحقيقه. إذ يرى البعض أن الزواج الثاني ما هو إلا عبء مالي إضافي سيعقد من حياة الزوج، بينما يرى البعض أنه عبء اجتماعي بسبب حالة عدم الوفاق المتوقعة بين الزوجتين، فضلاً عن الخلافات التي قد تنجم للزوج مع بعض من أقاربه وأقارب زوجته الأولى. لاسيَّما مع المعارضة التي قد تنجم من الأبناء، الذين سيرون زواج أبيهم ما هو إلا حنث بحبه لهم، الأمر الذي سيؤدي إلى شركاء لهم بأبيهم.
بخلاف ما تقدم أعلاه أودُّ أن أشير إلى أن الزوجة الثانية قد تكون حالة إيجابية تنعش العائلة، وليست العكس. نؤكد على أن الهدف الأسمى للزواج الثاني هو إنتاج أكبر قدر ممكن من الأبناء الصالحين للمجتمع، من خلال زيادة الرقابة الأسرية، وسنتطرق لهذا الأمر لاحقاً في هذا المقال. ولتحقيق هذا الهدف يجب توفر عدد من الشروط لإنجاح الأسرة ذات الزيجات المتعددة، ابتداء من شرط أساسي ومهم وهو "الخيار الصائب" للزوجة الثانية، الأمر الذي يتفاعل مع عوامل وشروط أخرى منها: مستوى نضج وثقافة الزوجتين، قدرة الرجل على إدارة شؤون أسرته بعدالة وحزم، قبول الزوجة الأولى ورضاها عن الزواج.
ماذا نقصد بالخيار الصائب؟ لكل عائلة ظروفها العائلية والمالية الخاصة، والتي تؤثر بصورة مباشرة على الحياة الزوجية والعائلية. ومن هنا يأتي الخيار الصائب تعبيراً عن جملة هذه الظروف التي تحيط بالرجل في محيطه العائلي.
لنفترض أن الزوجة الأولى موظفة، لذا فإن الخيار الصائب يتطلب أن تكون الزوجة الثانية موظفة أيضاً، إلا في حال تمتع الرجل بمقومات اقتصادية تمكنه من تغطية تكاليف الأسرتين، دون الاستعانة بالدخل الخاص لكلتا الزوجتين.
إلا أننا نود أن نشير إلى أن التكاتف الاجتماعي بين الأطراف الثلاثة للعائلة (المقصود به الرجل وزوجتاه) يعد عاملاً مهماً في تعزيز لُحمة العائلة. لنفترض أن راتب الزوجة الأولى مليون دينار، وراتب الزوج مليون ونصف دينار، يكون المجموع مليونين ونصف المليون دينار، ولنفترض أيضاً أن بمقدورهم بناء بيت بمساحة 100 متر مربع، وبمقدورهم تربية 3 أو أربعة أطفال بمستوى فوق المتوسط بسبب محدودية الدخل.
في هذه الحال فإن دخول طرف ثالث في حياتهم سيفتح آفاقاً جديدة، لاسيَّما إذا ما قلَّ عدد الأطفال للزوجة الواحدة من 4 إلى طفلين فقط، في هذه الحالة ستزداد قدرة الآباء على الرقابة الأسرية التي يعدها علماء الاجتماع أهم عامل لضمان مستقبل أفضل للأبناء، فضلاً عن توزيع النفقات المالية بصورة أكثر اتزاناً، تتيح للعائلة إمكانية تربية أبنائهم بمستوى أفضل، ليرتفع المستوى هنا من فوق المتوسط إلى فوق الجيد، أو جيد جداً، فضلاً عن توفر إمكانية تعزيز قدرة العائلة الاقتصادية، ومنها بدلاً من بناء بيت بمساحة 100 متر مربع قد ترتفع إلى 200 - 300 متر مربع، إذا ما توفرت الحنكة والعقلانية للرجل في إدارة شؤون عائلته بالتشاور مع شريكاته.
إن تعدد الزوجات سيساهم في تعزيز الوضع العام في المجتمع، من خلال حل بعض المشكلات الاجتماعية، ومنها نسبة العنوسة، وتحسين مقومات أخرى منها تحسين المستوى الثقافي والتعليمي لأفراد المجتمع، من خلال إنتاج أبناء ذوي مستوى ثقافي وتعليمي جيد، ويتمتعون بمستوى عالٍ من الخلق والعقلانية.
إن تعدد الزوجات يعد عاملاً مهماً للحفاظ على سلامة المجتمع وصحته، وعلى الحكومة أن تشجع هذه الظاهرة من خلال تخصيص ميزانية خاصة لدعم الزيجات الثانية، فضلاً عن إنشاء مراكز خاصة من شأنها تثقيف الزوجات ودعمهم لتقبُّل فكرة الزواج الثاني لأزواجهم.
الانتقادات:
من أهم الانتقادات التي يتعرض لها مشروع الزوجة الثانية عدم موافقة الزوجة الأولى على الزواج، الأمر الذي يعد عائقاً قانونياً واجتماعياً. إذ ينص قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 على وجوب حصول الرجل على موافقة الزوجة الأولى أمام القاضي، لتكتمل إجراءات الزواج الثاني. وهنا على المرأة أن تدرك أن تعدد الزوجات حق مشروع لأي رجل تتوفر له الشروط المناسبة.
ترى المرأة أن زواج زوجها ما هو إلا غبن لحقها، ولتعبها مع زوجها طيلة حياتهما معاً. وهنا هل سيخاطر الرجل بعلاقته مع زوجته الأولى وبمستقبل أطفاله من أجل الزواج الثاني؟ من سيتمكن منهما من إقناع الآخر بسلامة وصحة مطلبه؟ هل ستتخلى الزوجة عن أنانيتها تجاه الرجل وتدعه يتزوج بأخرى؟ هل سيكون بمقدور الرجال أن يلعبوا دورهم في مواجهة المشاكل المجتمعية؟ هل لأية شابة الحق في أن تكون زوجة ثانية، أم أنها بذلك تتجاوز بحق غيرها؟ هل للمرأة أن تفكر بحقوقها؟
تعدد الزوجات هو حق للمرأة قبل أن يكون للرجل، لاسيَّما عندما تكون النسبة متفاوتة بصورة كبيرة بين عدد الرجال والنساء. دائماً ما تتعالى الأصوات منادية بحقوق المرأة في المجتمع، ولكننا لا نسمع هذه الأصوات تطالب بتعدد الزيجات. حق طبيعي لأية امرأة أن تتزوج إن رغبت في ذلك، ولا يعني أن تكون ثانية أنها تنازلت عن كرامتها أو تجاوزت بحق غيرها.
انتقاد آخر، وهو أن البعض يرى في الخيار الصائب وكأنه آلية للربح المادي، أي أن الزواج الثاني هو عبارة عن مشروع تجاري. وهنا أود أن أضيف أن هذا المشروع قد ينطوي على جانب اقتصادي كما هو الحال في الزواج الأول، إلا أن الهدف النبيل يكمن في إحداث استقرار أكبر في العائلة على وجه الخصوص، أو المجتمع بوصفه الأيقونة التي تحوي المكونات العائلية المختلفة.
وهنا يشير البعض إلى أن الزوجة الثانية قد لا توافق على مشاركة نظيرتها الأولى من مواردها الخاصة، الأمر الذي سيطيح بالمشروع من الأساس ويضع الرجل أمام مشكلة جديدة، الأمر الذي قد يتفاقم عندما تتصاعد حدة الصراع بين الزوجتين.
أما الانتقاد الثالث، فيرى أن الفرضية التي وضعتها هذه المقالة ما هي إلا حالة مثالية يصعب تحقيقها، وعلى مختلف الصعد، إذ يندر وجود امرأة توافق على مشروع كهذا، وتتخلى عن احتكارها لحقوقها في زوجها، وتجلب لها شريكة لمستقبلها.
فضلاً عن ذلك فإن الرجل لا يمكن له أن يرسم حياته كما يشتهي، أي أنه لن يفكر بأن عليه أن يحدد عدد الأطفال من زوجته الأولى، لكي يوزع موارده بالتساوي مع الزوجة المستقبلية، أي أنه من الناحية النظرية يحرم زوجته الأولى من التمتع بجميع موارده لنيته المبيتة للزواج بثانية في موعد لا يعلمه بعد، بل إنه لا يعلم من ستكون هذه الثانية.
وإن كان قد وضع حداً مسبقاً لعدد أطفاله فإنه يعبر بذلك عن الحدود المحتملة لموارده المادية، لذا فإن أي زيادة في عدد الأطفال سيترتب عليها زيادة في الأعباء المادية قد لا تكون متوقعة، لاسيَّما إن طلبت الزوجة الأولى أن تنجب من جديد عند الدخول في تنافس مع الزوجة الثانية. وهو أيضاً يظلم الزوجة الثانية عندما تكون المصروفات المخصصة للأولى أكثر من الثانية، بسبب التفاوت في عدد الأطفال أو أعمارهم على الأقل، ولكن في الحقيقة المصاريف يجب أن تخصص حسب الحاجة أي لا وجود لمبدأ التساوي، بل يجب أن يكون التوزيع وفقاً لمبدأ العدالة القائم على الإنصاف، أي أن تخصيص المصاريف يكون حسب الحاجة وليس على التساوي.
وهنا أود أن أشير إلى أن الحالة المثالية تفترض أن قبول الزوجة الثانية الزواج برجل متزوج يعني موافقتها على مشاركته في الأعباء المادية، إن كانت لديها موارد خاصة، الأمر الذي سيضع الزوجة الثانية في حالة عبء أو ظلم، لاسيَّما أن الأولى ترى أن ما تمكن زوجها من تحقيقه جاء وفقاً لجهود مشتركة ليس للثانية أي حق فيه، بل هو حق حصري لها ولأبنائها. وهنا يأتي دور الرجل إذ عليه أن يكون عادلاً حازماً في توزيع الموارد وفقاً لمبدأ العدالة.
ختاماً، إن تعدد الزوجات لا يعد انتهاكاً لكرامة المرأة، بل هو حق طبيعي لكل امرأة لتكوين أسرة، وأن تكون فاعلة مجتمعياً، ولا يعد هذا الأمر انتهاكاً لحقوق الزوجة الأولى، طالما أن حقوقها مكفولة.
إن الهدف الأساس لهذه المقالة هو إبراز الجانب الإيجابي الذي يتعلق بمحاكاة مشاكل اجتماعية بعينها، والتصدي لها بصورة عقلانية تعزز من الاستقرار المجتمعي وتبني جيلاً فاضلاً.
منقول