recent
أخبار الساخنة

أبناء عين الحلوة: حكايات جديدة بين الموت والحزن.. يقابلها مبادرات انسانية واغاثية

عين الحلوة – 3
==========

محمد دهشة | منتدى الاعلامييين الفلسطينيين
 
وضعت الاشتباكات الدامية في مخيم عين الحلوة أوزارها، لكن فصول معاناتها لم تنتهي بعد، كل يوم تكشف عن تفاصيل جديدة وحكايات في كتاب تاريخ الايام التي دارت فيها، تاركة اثارا سلبية معنوية وانسانية واجتماعية واخلاقية، لم تظهر جميعها للعلن، اضافة الى الاضرار المادية الجسيمة في الممتلكات المفتوحة على جرح نازف من الدماء، اذ ان الكثير من منازل "حيي "الطيرة والصحون" لم تعد صالحة للسكن، بعضها احترق بالكامل وبعضها الاخر تضرر كاملا او جزئيا، لكن النتيجة واحدة، نزوح قسري حتى اشعار آخر، وسط دعاء من القلب، بان لا يطول الامر الموصول بمدى ما ستقدمه وكالة "الاونروا" من جهة والمؤسسات الدولية والجمعيات اللبنانية والفلسطينية من جهة أخرى من مساعدات واغاثة والاهم من كذلك ذلك سرعتها وسط الحديث عن اشهر.

ما ان توقف أزيز الرصاص، حتى بدأ ابناء المخيم يلملمون جراحهم، تروي الدماء التي روت الارض، بين منازل وازقة ضيقة لا تتسع لاكثر من اثنين، حكايات حزينة في لعبة النار والبارود، ففي احد المنازل قتل الحاج ممدوح الصاوي بعدما رفض ان يغادر، كانت قناعته التي تعلمها في حياته حين خرج من فلسطين قسرا، "من طلع من داره قل مقداره"، قرر ان لا يكرر النكبة مرتين، فلازم منزله الى ان قضى شهيدا وبقيت دماؤه على ارض منزله شاهدة حية.

▪في منزل مجاور، كاد يوسف يعقوب الملقب بـ "العراقي" يلاقي المصير نفسه، فلسطيني عراقي جاء الى لبنان منذ عقود طويلة، وانخرط بالنضال في صفوف الثورة الفلسطينية، لم يسلم منزله من القذائف والقنص، انهار عليه الركام وبقي محاصرا تحته يومين، الى ان استطاعت فرق الانقاذ اسعافه مع الهدوء النسبي، قبل ان تتوقف الاشتباكات ويتم نقله الى المستشفى للمعالجة من رضوض واصيب بها.

ويوسف نفسه المعروف بانه "بائع الورد" في سوق الخضار، هو نفسه "عاشق الطيور"، رفض ان يترك منزله، كي لا تموت "العصافير" التي يربيها جوعا أو عطشا، لازمها عبثا، بعضها لقي حتفه من جراء المعركة، والبعض الاخر فتح القفص وطار الى الحرية دون رجعة الى الدمار والموت والدخان، والثالث ما زال ينتظر عودته سالما كي يكمل معه مسيرة حياة.

▪غير ان الحكاية الاكثر مأساوية، تلك التي تعيشها عائلة عبد الغني بكافة تفاصيلها، تحاصر بعض من افرادها اثناء الاشتباكات، بينها الجدة البالغة من العمر تسعين عاما والتي تعاني من كسر في الحوض وتعجز عن السير، قبل ان يحملوها ويتمكنوا من الفرار بصعوبة بالغة تحت اصوات القذائف.

لا يكفي ان مبنى العائلة المؤلف من اربعة طوابق وتقطنه تسع عائلات قد احترق بالكامل، وتحول اثاثه الى رماد، وبات غير صالح للسكن على الاطلاق، ويحتاج الى اعادة بناء من جديد، حتى ضاعت فرحة احد ابنائها احمد عبد الغني، كان يستعد للزواج، كتب عليه ان لا يفرح بحفل زفافه، الذي كان مقررا الاحد، اندلعت الاشتباكات قبل يومين الجمعة، ووليمة الغذاء الذي اعدها للاهل والاقارب والاصدقاء من اللحوم "انشوت" ولكن ليس على "الفحم" وانما بنار الاشتباكات، واحترقت مع المنزل والثياب الجديدة التي اشتراها ليرتديها فرحا، لم يبق شيء، لم يسمع كلمة مبروك من أحد، بل الحمد لله على السلامة، شتان بين الامرين، حين يتحول الفرح الى حزن، والعرس الى نكسة، ليؤكد "لن نتزوج حتى نعيد بناء المنزل من جديد ونشعر بالامن والاطمئنان".

▪مبادرات انسانية
مقابل هذه الحكايات الحزينة والغضب العارم على طرفي الاشتباكات، وعدم مبادرتهما لتقديم اي وعود جدية للتعويض عن الاضرار، ارخت بعض المبادرات الفردية والجماعية والانسانية والاخلاقية والتي انطلقت من بعض المخيمات بظلال من الارتياح، رغم ضنك العيش وقساوة الاوضاع المعيشية والفقر والعوز، حرص الكثير من ابناء المخيمات من بيروت الى الشمال والجنوب، على التبرع وتقديم ما يستطيعون لتضميد الجراح، وخاصة في المرحلة الاولى لجهة الايواء وتأمين الاحتياجات الحياتية، تأكيدا على ان الشعب موحد والمصاب واحد.

وشكلت مبادرات الجمعيات الاهلية الفلسطينية واللبنانية وتجمع المؤسسات الاهلية في منطقة صيدا وفرق الاسعاف والاغاثة على اختلاق طواقمها، علامة فارقة في التدخل الايجابي، اضافة الى وكالة "الاونروا" وجهود مسؤوليها ومهندسيها في مسح الاضرار، وعبرت المبادرات الفردية عن اصالة الشعب، فكثير من اصحاب المحال والمؤسسات عرضوا خدماتهم اما مجانا او البيع برأس المال اي سعر التكلفة دون ارباح، والبعض زاد عليها التقسيط، فيما الاجمل كان في تقديم منازل للسكن المؤقت لمدة شهرين او ثلاثة او اربعة للنازحين ريثما يكونوا قد تمكنوا من اعادة اصلاح منازلهم وتأمين اثاثهم واحتياجاتهم.

وخرقت زيارة رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي الى المخيم، لتفقد الاضرار وهي الاولى لمسؤول لبناني، كل محاولة للتحريض وايقاع الفتنة، وحملت رسالة تتجاوز البعد الانساني والاغاثي الى السياسي، بان صيدا تتألم حين يصاب المخيم بجراح الاقتتال، وبان صيدا ببلديتها وقواها السياسية ستبقى حاضنة للمخيم وابنائه، وللقضية الفلسطينية، وبانها ستبقى العين الحلوة التي تبلسم الجراح، ستبقى صيدا العين الحلوة على فلسطين.. نقول شكرا بلدية صيدا ورئيسها السعودي الذي صدق القول بالعمل طالما ردد ان عين الحلوة جزء من صيدا وواحد من احيائها.

google-playkhamsatmostaqltradent