recent
أخبار الساخنة

حكاية الاستاذ عبد اسعد: كفيف ولكن ...

  سمية مناصري

إذا كنت تعتقد أن الحياة تعاكسك وأن الكثير من العقبات تحول بينك و بين تحقيق أحلامك، أنظر الى الذين تغلبوا على عجزهم و مرضهم و اعاقتهم، و استمدوا القوة من رحم المعاناة، حتى غيروا العالم من حولهم، لعلك تأخذ من قصصهم بعض الالهام والتحفيز لتكمل مسيرتك و تحقق اسطورتك الشخصية..

لم تمنعه الإعاقة من مواصلة حياته الطبيعية كالأسوياء، بل تفوق على كثير منهم بطموحه فقط! كالجبل الشامخ هو رغم كل العقبات، لا تهزه رياح الصعاب العاتية ولا التحديات الضاربة: هذا هو عبد محمد أسعد، الذي التقينا به في مقر عمله بمؤسسة الشهيد ابو جهاد الوزير.

استهل حديثه معنا قائلاً: " انا فلسطيني من أبوين فلسطينيين من بلدة فارة قضاء صفد، وأسكن حالياً في مخيم الرشيدية. كما ترين، أنا كفيف منذ الولادة. تابعت المرحلة الدراسية الابتدائية في المدرسة الانجيلية للمكفوفين في بيروت، ثم إنتقلت إلى مدرسة نازك الحريري حيث أكملت المرحلتين المتوسطة والثانوية. وبعد تخرجي، التحقت بالجامعة اللبنانية- كلية الآداب، وتخصصت في مجال الأدب العربي" .

ثم يكمل السيد أسعد: "خلال سنواتي الدراسية، تلقيت تعليماً دامجاً مع طلاب ليسوا من ذوي الإحتياجات الخاصة. كنا جنباً الى جنب في مقاعد الدراسة، كنت أطبع جميع المواد بنفسي، متوسلاً طريقة "برايل". لأنه في ذلك الوقت لم تكن المناهج متوفرة بطريقة "البرايل" . فالمدارس المختصة بذوي الصعوبات البصرية لم تكن تعمل على توفير الكتب وتعديل المناهج ليتسنى لي التفرغ لتنمية هواياتي الشخصية . ما جعل شغلي الشاغل أن أركز على نجاحي في المدرسة وأن أضمن وصولي الى المرحلة الجامعية وخوض معركة الحياة بنفسي".

وعندما تبدي أمارات السؤال، يجيبك بثقة وتحدٍّ: "لماذا؟ لأني كنت فرداً في أسرة تضم ثلاثة أشقاء ذكور وأخت واحدة من فاقدي البصر. إذا لم أقم بما قمت به من تحد وكفاح، لكنا وصلنا إلى حاضر قاتم يصنفنا في خانات قاهرة: لاجئين حيناً، ومكفوفين أحياناً".

ويكمل، "شاءت الظروف في عام 1988 أن أتعرف أنا وأخوتي من ذوي الإحتياجات الخاصة على مجموعة تضم أشخاصاً أصابتهم حالات عدة، على اثر اغتيال الشهيد القائد خليل الوزير (ابو جهاد)، مهندس الانتفاضة، والذي استشهد في 16/4/1988 في تونس. إجتمعنا وسألنا أنفسنا، "ماذا باستطاعتنا أن نفعل لأنفسنا؟" و زادنا حدث استشهاد أبو جهاد احباطاً ويأساً من الواقع الأليم. ووسط هذا الاحباط، ظهرت ارادة غير مكشوفة واحياناً كانت تظهر بطريقة عفوية. وكنت بصفتي قائداً لهذه المجموعة وبطريقة غير شعورية، ألتزم بما أقوله لها، " نحن ذوو إعاقة أعاقنا المجتمع، ولكن لدينا إرادة بإمكانها أن توصلنا الى أهدافنا".

عندها، بدأ عبد العمل على تشكيل لجنة تعمل من أجل من يعانون من اصابات وجروح واعاقات مزمنة، من أجل توفير مستقبل أفضل لهم. قمنا بزيارات كثيرة الى المعنيين آن ذاك (الأنروا، المانحين، ومنظمة التحرير الفلسطينية) حتى تبنت قيادة حركة فتح برئاسة عضو اللجنة المركزية اللواء سلطان أبو العينين برامج وأهداف هذه اللجنة والتي نالت اعجابه وحولت هذه اللجنة إلى مؤسسة تحمل اسم رمز الانتفاضة ومهندسها الشهيد أبو جهاد الوزير.

في تاريخ 1/1/1989، أعلن اللواء سلطان ابو العينين افتتاح "مؤسسة الشهيد ابو جهاد الوزير لتأهيل المعوقين "، بالتزامن مع ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية. وتم تكليف السيد أسعد في بادئ الأمر بمهام نائب امين سر المؤسسة، والذي كان يترأسها قبله شقيق شهيد الانسانية المرحوم عاطف اسعد لغاية 7/11/1992 .

ويتابع عبد، "بعد أن وجد أمين سر الساحة بأن كفاءاتي وقدراتي الشخصية تسمح لي أن أترقى في الوظيفة، اسند أمانة السر لي ، فأصبح همي الوحيد هو تأهيل ، تدريب، وايجاد وظائف لذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع. وخلال مسيرتي العملية، استطعت بجدارة أن أجعل مؤسسة الشهيد ابو جهاد الوزير لتأهيل الاشخاص المعوقين مؤسسة نموذجية في مجال التوظيف ودمج هذه الشريحة في المجتمع حيث صنفت دولياً مؤسسسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام وذلك بتاريخ 2/5/2009".

نالت هذه المؤسسسة قبل هذا التاريخ وبعده العديد من الجوائز المادية وشهادات تقدير وأدرع تكريمية. كما تمت تغطية نفقات منح لزيارة دول أوروبية للسيد أسعد، حيث زار 16 دولة بهدف تعريف المجتمع الدولي على معاناة اللاجئ ذي الإحتياجات الخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها في لبنان.

وعن دور التأهيل الذي يقوم به، يؤكد عبد، "انا مدرب وطني في مجال الاتفاقيات الدولية: من حقوق الانسان الى حقوق الطفل والاشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من المواضيع، بالإضافة إلى التدريب على القيادة والحركة والاشغال اليدوية والحاسوب واعطاء الارشادات وتصويب العمل، بالإضافة إلى اعداد المشاريع والتنسيق والتشبيك مع الفعاليات والمنظمات الدولية والمحلية، نظراً لطلاقتي في اللغة الإنكليزية. كما أقوم بتعليم الأشخاص الاخرين من ذوي الحاجات الخاصة على صيانة الكراسي المتحركة والاهتمام بها، كما أهوى العزف على الآلات الموسيقية.

ثم يختم السيد أسعد،"أعيش حياتي كأي فرد من البشر دون أي صعوبة. اتنقل بمفردي، أخدم نفسي بنفسي في المنزل، كما أتولى القيام بأمور الصيانة في المنزل. متزوج وعندي اسرة ناجحة مؤلفة من طفلين. بكل تواضع، اعتبر وجودي مثلاً يجب على كل شخص يعاني من حاجة خاصة أن ينظر إليها ليتعلم أن لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس" .

google-playkhamsatmostaqltradent