عندما ننطق باسمك ينتابنا الحنين ، تتملكنا رغبة جامحة بالنظر الى جمالك الأخاذ.
كيف نطفئ لهيب الشوق يا فلسطين ؟ كم كبرنا و كبرت همومنا و بقيتِ
انت اكبر همنا ، و لن يزول الهم الا بزوال سببه . لقد سئمنا من الوجوه
القبيحة ، من الرؤوس الفاسدة التي تتدلى منها الضفائر و تعتليها القلنسوات
و تعشعش فيها خبايا الاساطير و الخرافات القديمة . نراهم كالغربان ينعقون
في فضائنا ، يدنسون ترابنا و ينهبون اراضينا . يقتلوننا و يتهموننا بالارهاب ،
ثم نجد من يبرر لهم ارتكاباتهم الشنيعة ! يذرف دموع التماسيح على القاتل ،
و يلعن الضحية سرا و علانية لانها انهكت المجرم ، و لم تهيئ له الاجواء
المناسبة لارتكاب جريمته بصمت و هدوء ! قد نتفهم هذا من بني الاصفر،
لكننا لا نقدر على تفسيره عندما يأتي من بني جلدتنا . سئمنا منكم يا اشباه
الرجال و لا رجال ، يا من تنطقون بلغتنا و لهجتنا و قلوبكم متحجرة و سيوفكم
مسلطة على رقابنا . لم نعد نفرق او نميز كثيرا بينكم و بينهم !
و تبقين رغم بشاعة الصهيوني فوق ثراك الطاهر جميلة كجمال وجه جدتي .
طيبة كبرتقال يافا ، شامخة كجبال الكرمل ، عميقة كجذور الزيتون في الجليل .
لم نجد ارضا توازيك بالقداسة و البركة و الجمال ، فعشقناك عشقا ابديا
غير قابل للانفصام . عشق يتوهج و يتجدد و يتصاعد ، يتوغل في شغاف
قلوبنا ، يجري جريان الدم في اوردتنا . صرنا اسارى لهذا العشق ، آلفناه،
تغلغل في عروقنا ،و سيبقى فينا ما بقينا . برغبتنا و بكل ارادة فينا نريد ان يبق
هذا الوثاق الذي يجمع ارواحنا بالبيت المقدس ، و بهوائك الذي تنفسه
قبلنا الانبياء و الصالحين ،بترابك الذي تضمخ بدماء الصحابة و الشهداء .
كم من الشعوب تخلت عن اوطانها ، رضخت لمستعمرها ، انسلخت عن تاريخها .
كم شعب في هذا العالم المترامي الاطراف اضاع لغته ، تنكر لعاداته و تراثه ،
تبخر شيئا فشيئا كأنه لم يكن ! و بقي الفلسطيني كشجرة الجميز تمتد جذوره
عميقا في باطن الارض ، يورث اولاده و احفادة اللكنة الفلسطينية المتميزة ،
و مفاتيح بيته الذي لم يعد قائما ، و مسبحة صنعها من حبات زيتونته .
يغرس في اذهانهم شكل بيوت القرية ، لون حجارتها ، صفاء هوائها .
يحكي لهم حكايا لم تمت مع التقادم . يعلمهم اسماء المدن و العائلات ، و اسماء
القرى المحيطة و تضاريس الجبال و الوديان ، و قصص عن الطفولة و الشباب .
استلبت الارض من يديه و بقيت كما هي في وجدانه. بقيت فلسطين
بالحطة و العقال و الشروال و القنباز ، بالكانون و الحطب و القهوة
المرّة . بالطيبة و الالفة و العفوية . بالدبكة و الزفة و التعليلة . بالجهاد
و الكفاح و التضحيات . بالقسام و عبد القادر و عبد الرحيم و حسن سلامه .
بقي الفلسطيني يورث الشهامة و الكرامة و العزة من جيل الى جيل . يزرع حب
الدين و الارض ، و يؤكد بان السعادة لا تكون الا على هذه الارض المباركة .
لقد مر من هنا عشرات الغزاة و الفاتحين ، و بقيت الارض هي الارض،
تلفظ كل دخيل و لا تقبل الا ابناءها الحقيقيين . قبل خمسة آلاف عام جاء العرب
و اعطوا لهذه الارض لونها و خضرتها و لغتها و اسمها ، كانت فيهم البداية
و ستكون النهاية . سيبقى اسم فلسطين مرسوما على راية من اربعة الوان .
ليس الفلسطيني من يُهزم امام عدوه ، او يقتلع من جذوره . ان الفلسطيني
الذي انتفض يوم الارض في مواجهة التهويد و سرقة الاراضي ، سوف يبقى
كالطود الشامخ لا تهزه الرياح ، و سيعود الى وطنه فاتحا منتصرا باذن الله .