كان كالليث في عرينة ينتظرهم لحظة بلحظة . يترقب وصولهم بعنفوان الفلسطيني الباسل .
اصبعه على الزناد و في قلبه كتاب الله و عشق الوطن و ابناء الوطن . هذا هو الفدائي الذي
يعرف عدوه جيدا ، يقرؤه قراءة دقيقة بكل تفاصيله ، بتاريخه الاسود و حاضره الدموي .
باسل الاعرج درس مكائد و الاعيب العدو ، فاتخذ قراره الحاسم ،الذي لا يحتمل
الجدال و التردد . قرر المواجهة بكل حزم و ارادة و عنفوان . تمركز في مكانه ، بعد
ان خط بضعة اسطر على ورقة صغيرة ، بين لنا ان المسألة لم تكن بمحض الصدفه ،
بل كانت مسألة اختيار ، اختيار المقاومة و الشهادة .
للرجولة ملكات و قواعد و اصول ، فليس كل من يحمل السلاح مقاتل ، و ليس
كل مقاتل مقاوم ، و ليس كل من وضع النجوم على كتفيه يستحقها .الرجولة تقتضي
التضحية و الفداء ، و لا يكون هذا الا عن ثقافة عالية متجذرة ، و لا يكون الا عن
عقيدة و مبادئ ، و عن فهم عميق لعدالة القضية و عن الطبيعة العدوانيه اللااخلاقيه للعدو.
اما الرعديد المرتزق فلا يفهم القضية الا من خلال مصالحه و مكاسبه و فوائده الذاتيه ،
و لانه كذلك فانه جاهز للوقوع فريسة سهلة بايدي اعدائه . لا يجد حرجا في خدماته
للعدو الذي سلب ارضه و هجر شعبه ، و يقتل و يأسر و ينكل بابناء وطنه !
شتان بينهما ، كل واحد في طريق و اتجاه ، تماما كما هو الحال بين من اختار الشهادة
من اجل عقيدته و قضيته ، و بين الذي اختار الحياة من اجل مصالحه ، فلا هو تمتع
بالحياة و لا قصد العزة في الممات . ذاك يخلد في سجل المجد ، و الاخر يخلد في ثنايا
الذل و الظلام . و لما كان الموت لا مفر منه فمن العار ان تموت كما يموت الجبناء !
اختار الشهيد باسل الاعرج سبيل المجد و الكرامة ، و رفض المذلة و المهانه ، فكانت
رصاصاته ترسم وشاحا على صدور الاباة الذين ساروا و يسيرون على
نفس الطريق ، و أكدت أن حدود الوطن اكبر بكثير من اوسلو و كامب ديفيد ووادي عربه .
بين لنا هذا الشهيد الباسل في شموخه بان الزمن يتجه نحو الحقيقة المشرقة ، و ان
العودة قادمة لا محالة ، و فلسطين عائدة لاصحابها الحقيقيين ، فهي كما لفظت
الغزاة على مر التاريخ ، ستلفظ شذاذ الافاق الى مزبلة التاريخ . السلام لروحك
ايها الشهيد الباسل ، مثلت جرحنا النازف بابهى تجلياته ، فلم تتراجع و لم تساوم .