recent
أخبار الساخنة

فايسبوك "سلاح ملثّم" في المخيمات

الصفحة الرئيسية


أحمد الحاج علي


بدا المجتمع هشاً إذ استطاع حساب وهميّ أن يهزّه (خليل حسن)


ثلاثة حوادث أمنية في مخيمي برج الشمالي وبرج البراجنة كان بطلها فايسبوك. حوادث أدّت إلى سقوط جرحى، وكادت تقود إلى اشتباكات واسعة، لولا تدخل الأجهزة الأمنية، واتصالات واسعة قادتها فعاليات داخل المخيمين.

عباس، المتزوّج منذ عام تقريباً، فضّل أن يسوّي خلافاته مع زوجته، على صفحات فايسبوك. حكى تفاصيل أثارت غضب والد الزوجة وأعمامها. توجهوا إلى منزله القريب من سكنهم في مخيم برج البراجنة. إطلاق نار كانت حصيلته جريحان، أحدهما في بطنه، والآخر لم يكن سوى عباس، الذي أُصيب برقبته. نُقل مباشرة إلى مستشفى الساحل. حالة عباس كانت حرجة. استمرّ النزيف أياماً، وفئة دمه نادرة A-.

اليوم تراجع الخطر، نسبياً، لكن عباس مازال يرقد على سريره في المستشفى. وفيما تتهم والدته عم زوجته بإطلاق النار، ينفي الأخير ذلك، ويقول إن عباس هو من حاول الانتحار "ومازلنا مستغربين تصرفه عبر فايسبوك". وساطات المصالحة لم تتوقف منذ بدأ يزول الخطر عن عباس. معظمها تتركز على تغطية تكاليف علاج الجريح كاملة من قبل أهل الزوجة، على أن يعتذر من زوجته على صفحته في فايسبوك عمّا بدر منه.

"ملثّم ضد الفساد"، كان هذا الحساب على فايسبوك سبباً في إطلاق نار شبه يومي في مخيم برج الشمالي طيلة شهر. استهدف صاحب هذا الحساب ثلاثة أشخاص لا غير. أطلق حكايات عن علاقات حميمية. سرد قصصاً مزعومة عن أشياء خلف الأبواب. أُصيب المستهدفون بتوتر، هو أقل وصف لحالتهم. يبحثون في الطرق بأسلحتهم، عن مجهول لا يعرفونه، كل سلاحه حساب وهمي أنشأه في دقائق. أطلقوا النار في الهواء مرات على أمل إحداث رعب لدى هذا الشبح الذي يطاردهم. لم يتوقف. لعلّه كان يستمتع بقوة وهبته له تلك الصفحة.

مخيم برج الشمالي، يُوصف في العادة بأنه من أكثر المخيمات التي تتبنى قيماً محافظة اجتماعياً. فكان للحدث وقع مضاعف. الفصائل الفلسطينية أصدرت بياناً، حذرت فيه من "ممارسات وظواهر خارجة عن قيم أهلنا وشعبنا، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتهدد النسيج الاجتماعي لأهلنا في المخيم، من خلال التطاول على الكرامات والأعراض. ما يخلق فتناً، ويشوّه سمعة مخيمنا". قبل أيام توقف حساب "ملثّم ضد الفساد"، لكن هناك خشية جدية في المخيم من عودته.

الحدث الأكثر دوياً في مخيم برج البراجنة خلال الأشهر الماضية، كان بروز حساب "تحت الطاولة" على فايسبوك. نشأ الحساب بعد مداهمة القوة الأمنية بيتاً عند أطراف المخيم، واعتقال ثلاثة أشخاص، فلسطيني وسوري ولبناني، كان بحوزتهم كمية كبيرة من المخدرات. سُلم هؤلاء إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية.

هذا الحساب أطلق نداءً بسيطاً فحواه أن الفساد لا يتوقف هنا، بل إن مظاهره تشمل كل شيء، كما أن هناك "قيادات كثيرة بمنأى عن المحاسبة". لامس هذا الخطاب وجدان كثيرين، وشكك بأهدافه كثيرون. ولم تمضِ أيام على إطلاقه حتى بدأ بتسمية الأشخاص المتورطين بالفساد، وفق رأيه. لم يتناول المواضيع ذات الصفة الحميمية، لكنه كان يسمّي موزعي المخدرات، ويحكي عن ساعات لقاءاتهم. ولا يتورّع عن ذكر "أسماء الفاسدين" بمختلف انتماءاتهم السياسية.

أرتبك الجميع، الكل اتهم الكل. بدا كأنه حلقة منسية من مسلسل "عشرة عبيد صغار". ظهر منذ البداية أن هناك شبكة واسعة، تملك معلومات مفصّلة. اكتسب هذا الحساب بعض التعاطف الشعبي، واستمتع معظم الناس بمتابعة الفضائح، وسحرتهم جاذبية النميمة. وإن كان هناك من حذّر من وقوف جماعات ذات أهداف سياسية وراءه.

بدا المجتمع هشاً، إذ استطاع حساب وهميّ أن يهزّه فعلاً. فصائل عديدة جنّدت بعض المختصين في الاختراق من أجل معرفة مشغّلي الحساب. فشلت المحاولات، لأن بعض المشغلين كانوا على دراية بحماية حساباتهم من أي قرصنة. حيلة واحدة أسقطتهم. استطاع شخص التواصل مع أحد مشغلي الحساب. زعم أنه فتاة تريد مساندته. كُشف أمر المجموعة المشغلة. اعتُقل بعضهم. عدم الكشف عن نتائج التحقيق، كان اغراءً إضافياً لمزيد من الشائعات.

هكذا، بات فايسبوك يلعب دوراً مختلفاً في البيئة الفلسطينية في لبنان. فبدلاً من أن ؤدي دوره التقليدي كقناع اجتماعي، فيظهّر الصورة، وينشر أجمل صور السيلفي وأحلى المناطق التي تُزار، إلى جانب كل أفعال التفضيل، أصبح ساحة صراعات، تكشف الصورة الأكثر قتامة لوجوه افتراضية أو حقيقية لمتصارعين.
google-playkhamsatmostaqltradent