إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في الداخل عام 1948 من هجمة صهيونية شرسة لاقتلاعه من أرضه ، حيث يتصدى بصدوره العارية خاصة في المدن والقرى المهددة بالهدم، في قلنسوة وأم الحيران والعراقيب، حيث يستمدوا عزيمة النضال من خلال تجذرهم بالأرض ودفاعهم المستميت عن هويتهم الوطنية الفلسطينية، وبإيمانهم العميق بأنهم أصحاب الأرض الأصليين، أرض الآباء والأجداد، في حين يتصدى شابات وشباب فلسطين عبر انتفاضتهم المتواصلة في الضفة الفلسطينية والقدس لجرائم الاحتلال ولتهويد الارض والمقدسات رغم تكثيف جرائم الاحتلال وممارساتها من قتلٍ واعتقالات، ومصادرة أراضٍ، وتكثيف للاستيطان وفرض حصار على الضفة؛ في محاولة لفرض الأمر الواقع فيها، وتحويلها إلى كانتونات مقطعة الأوصال، بما يمهد لمخططاتها التي أعلن عنها بعض قيادات الاحتلال، بضم الضفة، تحت مُسمى "غطاء إنساني"، وضمّ المستوطنات، بهدف الانقضاض على حقوق الشعب الفلسطيني.
وأمام الانتفاضة وروعتها ومعانيها ومضامينها, التي تواجه الاحتلال ومشروع الادارة الامريكية بنقل سفارتها الى القدس , يأتي ما يسمى بمؤتمر باريس للسلام، الذي خرج في تناقضات وسلبيات اتجاه القضية الفلسطينية، وهنا نقول ان ما جرى يعتبر الخاسر الوحيد فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني .
ان أهم تناقض تمخض عن المؤتمر، قول الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند إن حل الدولتين ليس حلما ويبقى هدف المجتمع الدولي، وأضاف في الوقت نفسه أنه "من غير الوارد فرض معايير التسوية على الطرفين. وحدها المفاوضات المباشرة يمكن أن توصل إلى السلام ، وهناك أولويات أخرى لبعض البلدان، ناهيك عما تمر فيه المنطقة العربية من حروب ونزاعات وأزمات، بمفهوم اخر ترك الفلسطينيين، وحدهم أمام آلة الدمار الإسرائيلية التي لا ترحم رضيعاً ولا شابا او شابة وشيخاً ولا أماً، ولا أخضر ولا يابسا، حيث ساوى المؤتمر بين الجلاد والضحية في خانة واحدة، والتهديد بعدم الاعتراف بأي خطوات يتم اتخاذها خصوصا بشأن الحدود والقدس واللاجئين، وهذا يشكل ظلم بحق شعب يتطلع الى حقوقه التي اقرتها الشرعية الدولية ، ولكن أدار المجتمع الدولي ظهره لها، وهذا للاسف نضعه امام العرب، وبعض من راهنوا على مؤتمر باريس ، ما يزالون يثقون بالمجتمع الدولي ومؤتمرات السلام الوهمية.
من هنا نرى ان نقل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لتطبيق قراراتها، هو مطلب وطني فلسطيني مع رفض العودة الى مسار المفاوضات واستمرار المعركة السياسية العالمية، ورسم استراتيجية جديدة، تقوم على قاعدة تعزيز الوحدة الوطنية وتطبيق ما جرى الاتفاق عليه في القاهرة وبيروت وروسيا وحماية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل وتطوير مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية ، لأننا في مرحلة تحرر وطني، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع والموحد للشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. إذن، نخوض هذه المعركة ، لأننا نعتقد أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وتطبيق القرار الاممي 194 هي مهمة كفاحية تتطلب حشد طاقات الشعب الفلسطيني وتتطلب وحدة وطنية وتتطلب استمرار المقاومة بمختلف أشكالها حتى استعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير الارض والانسان .
ان الوضع السياسي الذي نعيشه الآن والمؤامرة التي تحيكها الإدارة الأمريكية لقضيتنا الفلسطينية وتحديد الموقف منها ، يستدعي استمرار الانتفاضة والمقاومة مضافاً إليها استمرار العمل الدبلوماسي والسياسي , باعتباره الحلقة المركزية في نضالنا ، وضرورة عقد المجلس الوطني بأسرع وقت والقيام بعملية تقييم ومراجعة بهدف استخلاص الدروس وإتباع تكتيك آخر ورسم برنامج كفاحي حلقته المركزية وهي العمل النضالي الكفاحي الجماهيري , مع ترابط هذا مع العمل السياسي والدبلوماسي ، نقول ذلك لاننا نعلم ان هذا الاحتلال يتشبث بكل شبر مما يعتقده , أرض اسرائيل , ولن ينسحب منها إلا مضطراً نتيجة خسائر اقتصادية ومادية وبشرية ترغمه على الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة.
امام هذه الظروف الخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية يجب العمل على اعطاء الأولوية للعمل الكفاحي والنضالي العنفي واللا عنفي , العمل الانتفاضي بشتى أشكاله وألوانه دون أن ننسى أهمية العمل السياسي والدبلوماسي . إن جسر الهوة بين إعلان الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض مهمة كفاحية شاملة وطويلة , لقد جرب الشعب الفلسطيني وقيادته المفاوضات على مدار اكثر من عشرون عاما واستعملت فيها كافة اساليب التكتيك ، وكان الانحياز الامريكي الاعمي لكيان الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي ظل هذه الظروف نرى للاسف ان اغلبية الانظمة العربية تعيش حالة انهيار وانقسام وتفتت , وبعضها يسعى الى التطبيع مع كيان الاحتلال ، ومع الأسف الشديد في مثل هذا الوضع الدولي والعربي الرسمي يتقدم ترامب وادارته الجديدة بمشروع لتصفية القضية الفلسطينية وليس تسويتها عبر نقل السفارة الامريكية الى القدس ، ومنع الشعب الفلسطيني بأن يفكر بتقرير المصير أو الدولة الفلسطينية .
لذلك فأن نتائج مؤتمر باريس لا تشكل اي ارضية, بينما عملية الاستيطان مستمرة, وعدوان الاحتلال بحق الشجر والبشر والحجر مستمر ، وهذا يحتاج الى موقف سياسي واضح يضمن وحدة الشعب الفلسطيني على قاعدة برنامج نضالي يعمل على تغيير ميزان القوى تدريجياً من خلال استمرار الانتفاضة وتعزيز الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية على ارضية تطوير وتفعيل كافة مؤسساتها ضمن شراكة وطنية وتعبئة شعبنا في الداخل والخارج لانه شعب يرفع شعار تقرير المصير ويناضل بجدية وبكل الوسائل لتحقيقه, بحيث نصبح قادرين على فرض الدولة وقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها حق العودة .
وعلى ضوء ذلك يجب رسم استراتيجية المواجهة والمعركة، فبدون هذا الوضوح السياسي والإستراتيجية الكفاحية يكون العمل الوطني مرتجلاً، فجدية التصدي للتحالف الإمبريالي مقياس للتصدي للكيان الصهيوني فالمعسكر المعادي واحد يتكامل وينسق في تحقيق أهدافه، وهذا يستدعي استنهاض القوى العربية الشعبية التقدمية من خلال تعزيز حضورها في الميدان ورفع مستوى فاعليتها وتنسيقها لإعادة الاعتبار والبعد القومي للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة، ولرفض كافة أشكال التطبيع مع الكيان الغاصب، وتشديد الحصار له وملاحقة جرائمه في المحافل الدولية، كما يتطلب ذلك تعزيز العلاقات مع القوى الداعمة لقضيتنا على الصعيد العربي والأممي وندعوهم إلى مزيد من الدعم والوقوف إلى جانب نضال شعبنا ومقاومته المشروعة. وفي المقدمة منهم سوريا وإيران وحزب الله والقوى والاحزاب العربية والصين و روسيا الاتحادية واحرار العالم .
ختاما لا بد من ان نقول للعالم ، ان الشعب الفلسطيني يريد دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ويريد علماً ونشيداً وطنياً وجواز سفر ومقعداً في هيئة الأمم , لا يريد حكماً ذاتياً ، فالطريق الوحيد لتحقيق السلام الدائم، يجب ان لا ينتقص او يتجاوز الحقوق الفلسطينية التي أقرّتها الشرعية الدولية في العودة للاجئين الفلسطينيين، وفق القرار 194، وحق تقرير المصير، والدولة المستقلة كاملة السيادة على بعاصمتها القدس.
كاتب سياسي