القدس عنوان فلسطين ، وعنوان عروبتها ، والدفاع عن القدس هو الدفاع عن کل الوطن من أجل کرامته وحريته ، اليوم ونحن نحتفل في اليوم العالمي للقدس ، نرفع اسم بيت المقدس عنوانا لشرف الأمة المهدد بالهدر . نحتفل في اليوم العالمي للقدس في مرحلة ربما تکون الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية ، وفي مرحلة تزداد فيها الهجمة الشرسة ، والعجز عجزا ، والتراجع تراجعا ، والانقسام انقساما ، هذا ما يهدد قضية القدس ، کحلقة اساسية من حلقات الصراع مع الاحتلال.
القدس تعيش محنة الهزيمة ، کما يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي دول الشتات ، فلم تعد القدس قضية تثير مشاعر الکثيرين بعد ان کانت قضية القضايا وآزمة الأزمات ، فحلم التحرير والحرية والاستقلال في دولة عاصمتها القدس أصبح بعيدا مع الحالة المأساوية التي تمر بها القضية الفلسطينية ، وبعد حالة التراجع والانقسام التي أصابت الحرکة الوطنية الفلسطينية.
الخروج من المحنة يتطلب صدقا مع النفس ، وثقة بالشعب ، والتزاما بالمبادئ ، وقدرة على العمل ، فآين نحن ومعنا العرب جميعا من ذلک کله ، فالعدو لم ينتصر الا بسبب القصور والترهل والانقسام الذي برز في صفوفنا ، فقد تفرقنا بدلا من أن نتحد ، واعتمدنا الدعاوي بدلا من ان نرکن إلى العقل ، وضخمنا الشعارات لنقزم المبادئ ، واکتفينا بالخطابات الطنانة بدلا من ان نتقن الأعمال ، وقبلنا الانقسام والانشقاق والتفرق بدلا من البحث عن الوحدة.
لقد ناضل الشعب الفلسطيني وقدم التضحيات والشهداء ، ولکن نضاله لم يؤد إلى تحقيق الأهداف ، لان الحشد العربي والفلسطيني لم ينظم ليوصلنا إلى النتائج المطلوبة ، ولان خبرات النضال التي تراکمت لم تکن کافية لکسب المعارکة الحاسمة. يوم القدس العالمي هو يوم لمراجعة الحساب ، وتقييم المرحلة ، والوقوف عند متطلباتها ، فالصراع حول القدس لم يکن يوما صراعا عاديا وسهلا يمکن الرکون له لتحقيق أهدافه صدفة ، بل هو يتطلب الحشد وتقديم التضحيات ويتطلب الحشد الواسع وتعبئة صفوف الشعب ، لان عدونا منظم ويحشد قواه ويحظى بتأييد القوى الدولية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميرکية، وهذا يعني حشد قوى الشعب الفلسطيني والوطن العربي وشعوب العالم الإسلامي ، بذلك نستطيع الانتصار ورفع الظلم عن القدس ولکي يتحقق ذلک فان القوى السياسية مطالبة بما يلي:
سياسة توحد کل قوى الشعب وترفض الانقسام والانقلاب والتسلط والفساد.
سياسة ديمقراطية تحترم وجهات نظر الآخر ، وترفض کل أساليب العسف المادي والمعنوي.
سياسة شعبية تأخذ بيد الشعب وترفع الظلم عنه وتحترم حقوقه ومعتقداته ولا تتدخل في شؤونه الخاصة ، ولا تمس کرامته.
لاشك ان الصراع من اجل القدس يقتضي قدرا عاليا من التنظيم وبناء القوى ، فاذا کان العدو مثل ما نواجهه اليوم کانت درجة التنظيم ونوعيته الضرورية أعلى وأکثر منها في أية حالة أخرى. ولاننا في فلسطين لم يبذل العرب الجهود الأولية المطلوبة في ميدان التنظيم ، ولان القوى الفلسطينية تقاتلت وانقسمت ، فنحن هزمنا في القدس وفي کل قضايا وميادين الصراع ، فما زال تنظيم القوى وبناؤها داخل الوطن المحتل وخارجه غير متناسب أبدا مع متطلبات المواجهة. ونرى من الضروري ان تهتم بذلك کل القوى العربية والفلسطينية ، لان استمرار الوضع الراهن لايأ هلنا لأية انتصارات في القدس وفي غير القدس.
ان الشعب الفلسطيني مطالب اليوم ان يبني قوى شعبية متراصة تضم الشعب کله وقوى مقاومة قادرة،لاتغرق بالنزاعات الداخلية على عروش السلطة کما هي الحال الآن ، بل تخوض صراعا منظما يوميا. المعاركة الکبرى مثل معرکة القدس بحاجة إلى المبادئ الکبرى والمنظمات التي لا مبادئ لها ولا قيم لها لاتکتسب المعاركة والحروب ، بل لديها القدرة على الفساد والانقلاب والحروب الداخلية.
لقد خسر العرب المعاركة الماضية ، لان قواهم افتقدت إلى هذه المبادئ والقيم حتى لو کانت ترفع الشعارات. وحرب العرب مع الاحتلال الصهيوني حرب وجود وحرب کرامة ومصير ، لا حرب خلافات صغيرة ونزاعات على السلطة ، وهذا ما يجب التمسك به وان تجعله القوى السياسية العربية أساس برنامجها.
ستظل القدس عنوانا لکل فلسطين ، وعنوانا لکرامة الأمة ، وعنوانا للسيادة العربية على أرض العرب .. وعنوانا لمجد البشرية في زمن طغى عليه الظلم والعدوان. لذلك فالصراع حول القدس هو صراع الأمة مع عدوها ، وهو صراع الشعب من أجل المحافظة على کرامته المهدورة على أرض فلسطين مادام الاحتلال يعيث فسادا وعدوانا.