لم تكن الشاعرة العربية تماضر بنت عمرو الملقبة ب «الخنساء» والتي اشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية، قبل أن يستشهد أبناؤها الأربعة في معركة القادسية (سنة 14 هجرية)، تدرك أن التاريخ الفلسطيني سيفتح صفحاته لعشرات النساء اللواتي سيحملن هذا اللقب بعد أكثر من 1400 عام.
ولم تكن الحاجة فاطمة الجزار (أم رضوان) التي ترجلت أخيراً، بعد صراع طويل مع المرض، ضمن حياة حافلة بالعطاء والكفاح استمرت 75 عاماً، زفت خلالها عشرة شهداء، هم خمسة من أبنائها، وثلاثة من أحفادها، وشقيقها وصهرها، كما هُدم بيتها وشُردت أسرتها، دون أن يثنيها ذلك عن مواصلة رحلة الصمود بوجه الاحتلال..
لم تكن «أم رضوان» الوحيدة التي حملت لقب «خنساء فلسطين» فقد كان هناك الكثير من الخنساوات الفلسطينيات، مثل الشاعرة رحاب كنعان، التي فقدت 54 شهيداً من أفراد عائلتها، في جريمة صهيونية تقشعر لها الأبدان، وكذلك الحاجة أم إبراهيم الدحدوح التي قدمت ثلاثة من أبنائها، وغيرهن الكثير، وإن كانت أم نضال فرحات القيادية والنائبة في المجلس التشريعي، الأقرب إلى الذاكرة الفلسطينية والعربية، بعد أن اقتحمت صورتها كل بيت عربي، عندما تلقت نبأ استشهاد نجلها الأصغر، والثالث خلال الانتفاضة، وهي في طريقها لتقديم واجب العزاء في شهداء مجزرة جباليا.
القاسم المشترك لكل هؤلاء الخنساوات كان عنوانه الصمود ومقاومة الاحتلال، انطلاقا من إدراكهن العميق أن التضحيات التي يقمن بها والتربية الوطنية التي ينشئن عليها أبناءهن، هي الخطوط العريضة لبناء جيل مقاوم قادر على الصمود ومواجهة الاحتلال وانتزاع حرية الوطن واستقلاله. لكن الحاجة أم رضوان كانت استثنائية بكل المقاييس، فلم تبال يوماً بتهديدات الاحتلال ولم يردعها القصف الوحشي المتكرر لمنزلها في قطاع غزة، ولا استشهاد أبنائها الخمسة الذين ودعتهم الواحد تلو الآخر، عن مواصلة العمل والكفاح، بل كانت تصر، رغم مرضها على المشاركة في الرباط مع المقاومين على الحدود، وبقيت وفية طوال حياتها في السعي لتحقيق حلمها في العودة إلى بلدتها «يبنا» التي هجرتها منها العصابات الصهيونية رغما عنها.
الأهم من ذلك أنها استطاعت أن تنجح، حيث فشلت كل المساعي الداخلية والخارجية لتحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، في توحيد الفلسطينيين، ففي يوم وداعها لم يتخلف أحد من كل الفصائل والاتجاهات السياسية، بعد أن تحولت إلى أيقونة ورمز يجمع كل الفلسطينيين ويحفزهم على المضي في طريق المقاومة والتحرير.
يونس السيد / الخليج الاماراتية