recent
أخبار الساخنة

"الجمعيات" في المخيمات.. أكثر من حاجة مالية..!

الصفحة الرئيسية




علي هويدي*
للزواج، لدفع قسط جامعي، لبناء أو لشراء منزل، لتأسيس أو توسعة عمل تجاري، تحضيراً للولادة أو للسفر، لشراء سيارة، لسداد دَيْن، لإجراء عملية جراحية.. يلجأ الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات لتأسيس وللمشاركة في "جمعيات" شهرية أو أسبوعية مالية يتكون أدناها عادة من خمسة أشخاص وما فوق وممكن ان تصل الى 15 شخصاً وربما عشرين وثلاثين، إما من الجيران أو الأقارب أو من أبناء المخيم أو حتى مخيمات ومناطق أخرى وإما من زملاء العمل.. ويديرها ويشرف عليها أحد أفراد المجموعة من أهل الثقة والمشهود له بالسمعة الحسنة في أوساط المجتمع المحلي بحيث يدفع كل شخص مبلغاً معيناً من المال يجري التوافق عليه على أن يحصل على المبلغ الإجمالي أحدهم في نهاية كل أسبوع أو نهاية كل شهر، والطريقة إما من خلال القرعة وإما دورياً حسب ترتيب يُتفق عليه أو من خلال التوافق بين الأعضاء حسب الحاجة..!

السبب الرئيسي لتأسيس الجمعية هو مالي يسعى المشارك فيها للتخفيف من الأعباء الإقتصادية الملقى على كاهله والتوفير، فلا فائدة على المبلغ مهما كَبُر، خاصة أن برامج القروض التي تشرف عليها وكالة "الأونروا" وكثير من الجمعيات الأهلية الدولية والمحلية اللبنانية والفلسطينية والبنوك لديها شروط إدارية قاسية للقروض بحيث تشترط وجود كفيل أو كفيلين وإثبات عمل للكفيل وتصريح بقيمة الراتب لكل منهما.. وليس هذا فحسب بل أن نسبة الفائدة السنوية ممكن أن تصل إلى 20% ..!

لكن على أهمية الهدف المالي من تأسيس الجمعية، إلا أن مفاهيم القيم الإنسانية والمجتمعية وموضوع المصداقية والثقة والعلاقة والتعارف والتواصل والمحبة والإيثار بين الأعضاء وتحسس أوضاعهم وتفقد حاجاتهم هي على التوازي في الأهمية، فليس هناك من تاريخ محدد لبداية الفكرة، لكنها بالغالب كرد فعل على سوء الأوضاع الإقتصادية بين اللاجئين الفلسطينيين لا سيما لبنانالتي بلغت نسبة البطالة في اوساطه حوالي 60% ونسبة فقر دون الخط المتعارف عليه عالمياً وامية وصلت نسبتها في العام 2008 الى 25.5%. اقتصر تشكيل الجمعيات في البداية على النساء، أما الآن فهي منتشرة لا بل واسعة الإنتشار بين النساء وبين الرجال، و منها ما هو جامع بين الطرفين ويُقبل عليها عادة العائلات المحتاجة أكثر منها من الأفراد..!

يكون الإتفاق بين الأعضاء شفويا فلا يخضع لضوابط إدارية أو مراجع رسمية وتواقيع وأختام وكفلاء، كل ما في الأمر بأن يبدي المشارك استعداده لان يكون جزء من المجموع، ولا يخلو الأمر من بعض الصعوبات بتأخر العضو عن الدفع في الوقت المحدد لكن يجري تقدير الظروف والموقف من قبل بقية الأعضاء خاصة اذا كان السبب طارئاً لا يمكن تأخيره لا سيما ذلك المتعلق بالقضايا الصحية..!

لفتت حالة "الجمعيات" في أوساط اللاجئين الفلسطينيين وانتشارها في المخيمات والتجمعات نظر علماء النفس والإجتماع من الغرب، فتقول عالمة الأنثروبولوجي د. دايانا آلان في كتابها "لاجؤوا الثورة: تجربة الفلسطينييين في الشتات"، "معظم اللاجئين الفلسطينيين ليس لديهم حسابات بنوك أو أي ضمانات أخرى مقبولة ليستعملوها حال أرادوا الحصول على قرض مال، ولإيجاد بديل لذلك قام اللاجئون الفلسطينيون بتشكيل مجموعات من الجيران أو زملاء العمل وبدأ كل عضو في هذه المجموعات بدفع مبلغ معين من المال بشكل أسبوعي أو شهري".

مع إنتظار العضو المشارك لنهاية الشهر أو الأسبوع للحصول على "الجمعية"، يكون قد مر أسابيع أو أشهر من التعارف وتوطيد العلاقة بين بقية الأعضاء، وساهمت تلك العلاقة في التخفيف من حدة الحالة النفسية الإجتماعية والإقتصادية المتازمة للاجئ نتيجة الحاجة، وبذلك يكون قد نجح اللاجئ الفلسطيني بالتغلب على واحدة من المشاكل الكثيرة التي يعانيها نتيجة حالة اللجوء، لكن وبالتأكيد بقي من تلك المشاكل الكثير..!

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
صحيفة السبيل الأردنية 
السبت 1 آب 2015
google-playkhamsatmostaqltradent