" لأن الوقت يستدعي السكوت
دعوا المخيم في صمت يموت "
سقط المخيم و أزيل من الوجود ، و سقط من ابنائه 3000 شهيد خلال فترة قصيره.
و مئات المفقودين و الجرحى ، و عشرين الفا هجروا مرة اخرى بعد الهجرة الاولى
عام 1948 . سقط الزعتر بعد قتال عنيف غير متكافئ ، و حصار طويل ادى لنفاذ
الذخيرة و الطعام و المواد الطبيه ، بل و حتى الماء تم قطعها . مخيم عملاق سقط
بعمليه منسقه من انظمة عربيه و كيان الاحتلال و الميليشيات الطائفيه الحاقده .
راجمات صواريخ و رشاشات ثقيله و مدفعيه طويلة المدى استعملت على البيوت
الصفيحيه الفقيره ، فحولت المساكن الى ركام ، و السماء الى بقعة دخان . لهيب
النار مع لهيب آب اجتمعا على السكان الحالمين بعدم مغادرة المخيم الا الى مدنهم
و قراهم المحتله في فلسطين . أشلاء و جثث متفحمه منتشره في الازقة الضيقه،
جرحى ينزفون حتى الموت ، نداءات من الاطفال و العزل لم تلق آذان صاغيه .
سقط المخيم ، و لم تسقط ارادة البقاء ، سقط واقفا يقاتل ، لم يستسلم و لم يركع
لم يساوم او يهادن ، لم يرفع الرايات البيضاء . سقط بشموخ المكابر على
الجراح ، العصي على الانحناء . ان المؤلم في ما حصل للزعتر هو الصمت
المطبق من الدول العربية و غيرها من الدول. من المنظمات الدوليه
الرسميه و غير الرسميه . من المؤسسات الحقوقيه و من غيرها التي تعتني
بحقوق الانسان . سقط بلا ضجيج و لا ادانات او قرارات . غابت الهيئات
التي عادة ما تحتج على قتل حوت في البحر ، او طير في الفضاء ، او قطع
شجيرات في الغابات . مخيم غاب عن الوجود ، و كأن شيئا لم يكن !
نسي الكثيرون هذه المجزره المروعه ، و نسي من كان وراءها ، و من ساند
القتله بالرجال و السلاح . كأن تلك الدماء الطاهره ، و الآلام الفظيعه
و الاعتداءات حتى على العزل الآمنين من الاطفال و النساء، كأنها لم
تكن . لا زلت اذكر تلك الشابة " حنان" ابنة المخيم التي قالت لي حكايا
شاهدتها بنفسها على الحواجز الفاشيه عند مغادرتهم للمخيم . لا زلت اذكر
دموعها الغزيره و هي تسرد لي كيف قتلوا خالها امام عينيها ، حينما ربطوا
كل قدم من قدميه بسياره و تحركت السيارتين باتجاه معاكس . و كيف
بقروا بطن حامل ، و كيف اخذوا صبايا باعمار الورود . لا اريد ان
اذكر تفاصيل حرصا على مشاعر القارئ ، لكني اقول انها مأساة حقيقيه
يجب ان لا ينساها التاريخ ، ووصمة عار على جبين مرتكبيها و من دعمهم .
ان ما نريده و ما ندعوا اليه هو ان لا نصل لمرحلة نكبة مخيم آخر ، فان
قلوبنا لا تحتمل الكثير ، و ندعوا لانقاذ مخيم اليرموك المحاصر و المرشح
لنكبة فلسطينيه جديده .
ماهر الصديق