recent
أخبار الساخنة

مزارع التبغ في لبنان قصة انسان بقلم الاديبة نجاة سقلاوي

الصفحة الرئيسية



حصل لي أن قابلت في إحدى المرات مزارعاً يعتاش من التبغ في لبنان 

، أثرت بي كلماته التي تشكل حقلا معجميا لمتحف عتيق وأصيل، وتلك التجاعيد التي رسمتها الحياة في تضاريس جسده، كانت تخبرني عن مدى صبر هذا المزارع الذي أصبح اليوم جداً لعائلة كريمة وفاعلة في وطنٍ نام. إليك يا هذا المزارع وإلى كلّ مزارع قاوم وصبر ليجني بعرقه محصول زرعه أهدي كلماتي هذه:
\"يا شتلة التبغ، يا معطف الفقير في الشتاء البارد وغيث السماء في الصيف الجاف، ربيتك يا ابنتي وأنت طفلتي المدللة، ما أحرقتني شمسك ولا أنهكني غروبها، فموعدنا كان الفجر وفي الفجر ولادة، ربيتك لأولد أنا وليولد جورج وجوزيف ومحمد وعمر وعلي...ربيتك لتولد ماري وفاطمة وعائشة وزينب...ربيتك ليولد الوطن، فأرض وطني خصبة تحب الزرع وزرعك أخضر، كنت أراقبك كيف تكبرين وأحميك بيديّ من رياح الغدارين، فأوراقك تختصر عمري وعمري يروي ألف حكاية عن شتلة التبغ، فهي الجذر الممتد إلى الأرض، يعانق التراب فتنمو شتلتي وتشمخ حتى تصبح صبية جميلة وكم جميل صباكِ يا شتلتي، تتبارى الرجال من سيظفر بك؟ وتُقطف أوراقك الطرية لتجفف كوردة حمراء مخملية وضعتها الحبيبة في كتابها وخافت عليها من الموت، هكذا أنتِ موسم متجدد لا ينتهي، ففي وجودك حياة لألف روح وأكثر، وفي عدمك فناء لوطن أكبر، اعتدت عليك يا رفيقة العمر، فلا تفاريقيني وإن غزوك، ابقي صامدة، أما صمدتِ في الحروب؟! فكيف النيل منك وأنت رمز الصمود؟! أنتِ لست لجيل أو لعمر أو لتاريخ أو لصلاحية، بل أنت لأبد الدهر وإن جار علينا الدهر لن تجور علينا شتلة التبغ، فلقمتك شريفة ولذيذة لرجالات نفخت في التراب فكانت روحكِ أيتها الأبيّة، ها أنا اليوم أحصد منك ما جنيت فأجدد عهدي أمام الرب لأنك وصيتي ورسالتي لمن يعشق الأرض ويصلي لتراب الوطن. زرعتك فقيرا وحصدتك غنيّاً فلا تتركيني فإنّ الجوع كفر وأنا مؤمن أخاف الكفر".

نجاة سقلاوي 



لبنان
google-playkhamsatmostaqltradent