يعيش شعبنا الفلسطيني ومعه الشعب اللبناني وجماهير امتنا العربية في هذه الأيام ذكرى اجتياح الغزو الصهيوني للبنان في يوم 6 يونيو منذ عام 1982 تحت غطاء جوي لم يسبق له مثيل مهد لهذا التقدم في قصفه لمواقع المقاومة والقوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية وضرب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب والضاحية و بيروت, وقصف قوات الجيش العربي السوري التي كانت تتواجد في بيروت والبقاع, حيث كانت قوات العدو الصهيوني مدعومة بغزوها للبنان من قبل الولايات المتحدة الامريكية بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية وحليفتها الحركة الوطنية اللبنانية, ولكن كانت المفاجأة الكبرى في تصدي المقاومة الفلسطينية واللبنانية وصمودها في وجه هذا العدو لمدة 82 يوم متواصلة لتبدأ معها الضغوط من بعض العرب لإخراج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان.
من هنا نقول لقد صمدت الثورة الفلسطينية والحركة الوطنيه اللبنانية في صور ، و النبطية ، و صيدا ، وبيروت ، و الجبل ، حيث شكلت قاعدة صمود الجماهير اللبنانية وقواها التقدميه مع الصمود البطولي للشعب الفلسطيني .
وامام ذلك لم ننسى استقبال جماهير الأمة العربية كلها في تونس ، في عدن ، في صنعاء في الجزائر ، في سوريا ، مقاتلي الثورة بعد الخروج من بيروت بالفرحة ، وبإشارات النصر ، وهنا نسجل حقيقة أن كل هذا الصمود الذي احتفلت به كل جماهير الأمة العربية ما كان ليتم لولا صمود الجماهير الوطنية اللبنانية البطلة .
نعم ايام صمود وتضحية وعزة وكرامة قدمت فيها الثورة الفلسطينية والحركة الوطنيه اللبنانية خيرة مناضليها وقادتها منهم من استشهد ومنهم من فقد على يد قوات الاحتلال الصهيوني، بل اختفى في تلك الأيام مناضلون كثر ينتمي بعضهم الى منظمات وأحزاب، مثل المناضل محي الدين حشيشو أحد قادة الحزب الشيوعي في مدينة صيدا، ومناضلي جبهة التحرير الفلسطينية وفي مقدمهم القائد العسكري عضو المكتب السياسي سعيد اليوسف ورشيد آغا وعماد عبد الله، والقائد حسين دبوق عضو قيادة جبهة التحرير الفلسطينية الذي كان له دور أساسي في جبهة المقاومة الوطنية، ورفاقهم في تجمع اللجان والروابط الشعبيه إبراهيم نورالدين، بلال الصمدي، حيدر زغيب، محمد المعلم، محمد شهاب، فوازالشاهر وصولاً الى المناضل عدنان حلواني عضو قيادة منظمة العمل الشيوعي الذي اختطف من منزله في رأس النبع بعد دخول قوات الاحتلال الى العاصمة مع العشرات آخرين من أبناء العاصمة الذين تناوب على خطفهم جنود الاحتلال والميليشيات المتعاملة معه، وكذلك حسن طه "ابو علي دلة" واخوانه الذين كانوا في الاسر ، وكذلك لن ننسى ايضا ويحي سكاف ومحمد فران وعبدالله عليان ، حيث نقف في ذكرى اختفائهم لنطلق صرخة امام الضمير الانساني ، فاعتبر السادس من حزيران يوماً للمفقود العربي على العدو الصهيوني.
وامام كل ذلك نتذكر وقفة القائد سعيد اليوسف عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية الذي لم يترك ارض المعركة فكان متنقلا بين الجنوب اللبناني الى بيروت وجبل لبنان فبقى جنبا إلى جنب مع رفاقه واخوانه في السلاح من المقاتلين اللبنانيين الوطنيين الشرفاء، الذين واجهوا العدو الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة بأحدث الاسلحة الامريكية واكثرها فتكا بل والمحرمة دوليا وانسانيا في الجنوب وخلدة وبيروت والجبل ، ،حيث بفقدانه فقدنا قائدا ومناضلا يستحق اوسمة الشرف والبطولة ، ولكن صمود بيروت والتلاحم الفلسطيني اللبناني التي تكسرت فيه صخرة البطولة والشجاعة والفداء والتضحية، لابادة الثورة وابادة قواتها وابادة قيادتها، ولكن فشل العدو وبقيت الثورة خفاقا علمها، قويا وجودها، ثابتا جنانها باعتبارها الحقيقة الثابتة الاصيلة في هذه المنطقة المهمة والحساسة والمليئة بالمؤامرات والمحفوفة بالاخطار
نعم هناك شهداء خالدون ستظل ذكراهم راسخة في وجدان شعبنا الفلسطيني والعربي وفي مقدمتهم الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات والقائد الشهيد أبو جهاد والقائد الشهيد ابو العباس والقائد سعيد اليوسف ومارشال بيروت القائد الشهيد ابو الوليد سعد صايل والقائد الشهيد عبدالله صيام والقائد الشهيد بلال الأوسط والقائد الشهيد عزمي الصغير ، ولذلك فكانت قلعة الشقيف لصمودها تكتب التاريح فيما نتذكر جنرالات الأشبال وقائدهم في مخيم الرشيدية الشهيد أبو شاكر ونتذكر الشهداء أبطال الأربيجي في مخيمات الرشيدية والبرج الشمالي ومخيم البص ومخيم عين الحلوة ونتذكر شهداء القوات المشركة وشهداء الحركة الوطنية اللبنانية ونتذكر شهداء شعبنا اللبناني والفلسطيني والعربي الذين استشهدوا في حرب لبنان عام 1982 ونتذكر الاسرى الذين فقد مصيرهم وفي مقدمتهم ابو علي دلة .
وهنا اتوقف امام مجزرة مخيم برج الشمالي، هذا المخيم لم يكن أوفر حظا من غيره من المخيمات الفلسطينية في لبنان. فقد لحقه الدمار والقتل والاعتقال، فكانت مجزرة نادي الحولة في 7/6/1982 أكبر شاهد على العدوان الاسرائيلي للمخيم والتي أدت الى مقتل حوالي 93 من المدنيين ولم ينجوا سوى ثلاث نساء وتحول نادي الحولة الآن الى مقبرة جماعية واقامت الهيئة الادارية لجمعية الحولة نصب تذكاري محفور عليه أسماء الضحايا جميعاً ، مع مجزرة النجدة ومغارة ابو جعفر هذه المجازر التي تسمى اليوم بالمجازر المنسية، لأن التاريخ والعالم لم ينصفوها ولم ينصفوا ذوي الضحايا وتركوها منسية للزمن، حيث المخيم الذي صمد وقاتل لم يتخل مناضلوه من كافة الفصائل عنه ولم يتركوه ولا يزالون يحفظون له مجده ومجد شهدائه الأبرياء فاطلق عليه مخيم الشهداء .
خرج شعبنا بمعجزته هذه ليتردد صوتها عاليا في المنطقة كلها، وليذهل العالم بهذا الصمود وذاك التحدي، وهذا الفهم العميق والثابت لابعاد الموقف، وليعطي الصورة الراسخة الواضحة لديمومة الثورة العارمة في حنايا هذا الشعب العظيم، شعب المعجزات شعب العطاء السخي، شعب الشهداء والمقاتلين، شعب الارادة المستقلة، شعب التضحيات الجسام، واليوم نقول سيبقى دورنا في التحالف الاستراتيجي وفي الفرز الثوري لمعسكر الاعداء والاصدقاء في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط وفي الساحة الدولية.
فنحن لا يمكن ان ننسى أيام الوداع في بيروت ، حيث شكلت كوفية الرئيس الشهيد ياسر عرفات عنوانا للصمود والشموخ هو ورفاقه القادة الحكيم جورج حبش وابو العباس وطلعت يعقوب وابو جهاد وابو اياد ونايف حواتمه وسمير غوشه وعبد الرحيم احمد وكل القادة اثناء الرحيل وشكلت المشاعر اللبنانية والفلسطينية الأحاسيس والأفكار التي ولدها ذلك الاسبوع ، لذلك من واجبنا أن نعلن بوضوح ، وبصوت واحد ، بأننا كما صمدنا أمام كل القنابل العنقودية والفسفورية والانشطارية بمواجهة العدو الصهيوني ، فجراح الشهيد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس وكل من اصيب في معركة الصمود في بيروت العربيه كان هدفها لنحيا بكرامة من اجل استكمال مسيرة المقاومة رغماعن الجراح، فالشهيد القائد ابو العباس تحدى المصاعب..ولم يترك ميدان العمل المقاوم ، لذلك علينا اليوم ان نصمد أمام الهجمة الامبريالية الصهيونيه الرجعيه من خلال صون الوحدة الوطنية على أساس البرنامج الوطني ، ونعلن للعالم وبوضوح تام أن معارك الصمود من بيروت الى الانتفاضة الاولى والثانيه وصمود وانتصار غزة والهبات الشعبيه المستمرة في الضفة والقدس يجب ان تزيدنا ايمانا بوحدتنا الوطنية وبثوابت شعبنا ، و رفض كافة المشاريع الامبربالية والأمريكية والصهيونيه، من خلال التمسك بمبدأ الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة لشعبنا الاجئ الى دياره وممتلكاته على ارض وطنه فلسطين وفق القرار الاممي 194.
في ظل هذه الظروف لم تتوقف المقاومة ضدّ العدو منذ تلك الأيام، ولم تتوقف المؤامرات الهادفة الى إسقاطها وإسقاط سلاحها، وبدا أن روح المقاومة التي ألهبت المقاومين المفقودين وغيرهم من المقاومين الأبطال ما زالت مشتعلة مثل راية يحملها جيل إثر جيل ، والمقاومة تكبر، تشتد وتتألق، وتصبح ظاهرة، رغم كل الحسابات والتوقعات للمخططات المشبوهة المعادية، كبيرة بحجم الوجود، واضحة بقوة الحقيقة، دافعة في المسار التاريخي والتطور الطبيعي والحتمي، الرسالة الحضارية والتقدمية لمسيرة النضال ضد جميع اشكال الظلم والقهر والاستبداد، نارا على رأس علم، ونورا يهديها، تتجمع حول مشاعل المناضلين في فوهات بنادقهم، وتصبح مقاومة عملاقة، هذه نقطة الانعطاف في هذا المجرى الحضاري في هذه المنطقة، بكل ما تعنيه هذه المنطقة لاعدائنا، في موقعها الاستراتيجي ومخزونها النفطي واحتياطها الاقتصادي، ولذا كان علينا ان نفهم السبب الدفين لهذا التكالب الشرس الذي يحاول ان يضرب قوى المقاومة ويقضي عليها، لتبقى هذه المنطقة فريسة سهلة، ولتستمر هذه الارض ميدانا يمارس فيه اعداؤنا خبراتهم الجهنمية لنهب خيراتنا وثوراتنا من دون رقيب او حسيب، بل بمساعدة العملاء في امتنا العربية وقواهم الارهابيه التكفيرية، الذين اعمتهم العمالة فراحوا يفرشون الارض، ارضنا الطاهرة المقدسة باتفاقات ومعاهدات مسمومة يسير عليها اعداء امتنا إلى قلب هذه الامة، يغرزون فيها خناجرهم المسمومة ويفرضون عليهم سيطرتهم الكاملة، من اجل فرض شعارات السلام المزيف المبرمج والمخطط له، والذي يشكل خطرا داهما ليس على فلسطين وحدها، وليس على الشعب الفلسطيني فقط، وليس المقاومة بمفردها… ولكن ضد الشعوب العربية ومستقبلها ومصيرها، وضد هذه المنطقة من خلال فرض ما يسمى الشرق الاوسط، وبالتالي ما يشكل كل هذا من آثار عديدة وخطيرة على مجمل السلام العالمي.
وهنا لا بد ان تنطلق صيحتنا لكي يسمعها العالم اجمع، وبالذات الاحصنة الخشبية التي تجر في راكب القوى الامبريالية والصهيونيه ، باسم شعب فلسطين وباسم الشعوب العربية وباسم الاحرار والشرفاء في العالم اجمع، انه لا سلام ولا امن ولا حل ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على جوهر المشكلة والاساس فيها حقوق شعبنا الفلسطيني الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني، تحت قيادته الوحيدة منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترف بها كافة المستويات الصديقة والحليفة والعربية والدولية.
فهذه المسيرة بكل ابعادها الحضارية والانسانية، تتطلب ان نشق طريقنا مع جميع الشرفاء والاشقاء والحلفاء والاصدقاء نحو دعم قوى المقاومة في مواجهة الهجمة المعادية والعمل على الوصول الى السلام العادل والوطيد في الشرق الاوسط حتى تنعم شعوب المنطقة بالاستقرار والامآن ، وليس سلام الاقوياء على الضعفاء، وليس املاء شروط الاستسلام وفرض الهيمنة والسيطرة من خلال احلام الامبراطوريات الواهية واحلام المستعمرين ومستوطناتهم وحدود الامن ومصادر المياه المؤدية إلى منابع النفط.
ختاما : إنه يوم من أيام حزيران الذي أراده العدو شهراً لهزيمة الأمة، فكان شهراً لانتفاضاتها حيث خرجت الأمة يومي 9 و 10 حزيران 1967، وبعد أيام على الهزيمة، ترفض تنحي القائد جمال عبد الناصر، وتكافح لتترجم مقولته الخالدة "ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة "، لذلك يجب ان لا ترهبنا الهجمة الاستعمارية الارهابية التكفيرية المستمرة ولا البطش ولا الارهاب والقهر ولا الفاشيون والنازيون الجدد، فأن نصرنا الحتمي آت طال الزمن ام قصر، شاء اعداؤنا ام أبوا، فهذه ارادة التاريخ، ارادة الدم ، ارادة الشعب الفلسطيني، ارادة الكبرياء في امتنا العربية، ارادة الانتصار لكل ما هو شريف شجاع وعادل في البشرية التقدمية جمعاء، فعلينا ان نتمسك بروح تلك الأيام المجيدة، ونتمسك بمقاومتنا نهجا وخيارا وثقافة وسلاحا.
كاتب سياسي