recent
أخبار الساخنة

انهيار ثورة بقلم: ماهر الصديق

الصفحة الرئيسية



تمكن حسني مبارك و عائلته و حاشيته و ضباط جيشه و زعماء حزبه و مناصريه ،

بقدرة عاليه من الدهاء و المكر من القضاء على الثورة المصريه و الاقتصاص من قادتها 

و ابرز نشطائها . كادت تلك الثوره ان تمثل نموذجا حضاريا لكل الثوريين ، لما تميزت به

من قدرة تنظيميه ، و تحقيق الهدف بسلميه ، و الانضباط رغم الكثافة العدديه

و اختلاف القوى المشاركه . فشل النظام في القضاء على ثورة 25 يناير بقوة الجيش

و الشرطه و المخابرات و البلطجيه . و لم تحقق وعوده و تكتيكاته السياسيه 

غاياتها في كبح جماح ابناء الشعب المصري المتمسك بالتغيير و انهاء النظام . و لم 

يتمكن من استمالة عطف الجماهير الثائره بخطبه التي تذكر بتاريخه " النضالي "

و حبه للوطن و تضحياته التي لا حصر لها ! كل تلك الخدع لم تحقق الغاية في وقف

الثورة التي كانت تتعاظم يوما بعد يوم و تتوسع المشاركه الجماهيريه و النقابيه من

فئات الشعب المختلفه . فكان الخيار الوحيد امامه هو التنحي مع الحفاظ على السلطه

برجالاتها التقليديين و بسياساتها الداخليه و الخارجيه كما هي بلا تغييرات جوهريه .

كانت تلك الحركة الذكية هي بداية انطلاقة الثورة المضادة ، و تفكيك صفوف

المعارضه . وإدخالها في خلافات كبيرة سياسيه و فكريه .كان من ابرز

نتائج الثوره المضادة اختلاق عدو وهمي " ارهابي" لا يريد الخير لمصر

و شعبها . يريد الاستئثار بالسلطة و التفرد بجني المكاسب التي حققتها الثوره !

لهذا يجب ان تنصب كل الجهود لمواجهة هذا العدو المحتمل . كانت هذه اول و اخطر

انحرافات الثوره عن مسارها التغييري . و تحت هذه الذريعه استبيحت الدماء و الاعراض

و انتهكت القوانين و ضاعت الحريات و دفنت الثورة الى غير رجعه .

ذهبت تضحيات الشعب المصري في مهب الريح ، لم تتغير السياسات ، و بقيت السطوة

الامنيه هي السائده . ازدادت اعمال القمع و الاغتصاب و الاعتداءات . استُحدِثت معتقلات

جديده لعدم استيعاب المعتقلات القديمه لكمية المعتقلين السياسيين .كثر القتل و التشريد

و اهينت كرامة الانسان ،و غاصت البلاد بالفوضى و الاضطراب و البطاله .

حالة نادرة في تاريخ الثورات على مر العصور . بدت الثوره للمراقب من بعيد 

انها حققت اهدافها في التغيير و خطت خطواتها الاولى نحو الديمقراطيه و الحريه

و تداول السلطه باختيار الشعب . و ان مصر مقدمة على عصر جديد لم تعرفه في

تاريخها الطويل منذ عهد الفراعنه و الى عهد النظم العسكريه الحاكمه .لا اظن بان

احد خالجه الشك في ذلك ، باستثناء الدوائر التي كانت تخطط و تدبر الامور لقادة

و افراد الثورة المضاده ، من رجال سياسة و ضباط جيش و اعلاميين و رجال المال .

لقد وقعت الثورة بمكيده قل نظيرها ، و هو ما كان يجب ان تتوقعه قيادات الثوره.

و اذا غاب عنهم الامر فانهم كانوا مخطئين . فمن غير المعقول ان تسلم القوى

المعنيه ببقاء مصر ضمن الدائرة الامريكيه الصهيونيه بالهزيمه و تترك مصر

تنهج نهج الاستقلال و المواجهه . مصر لها موقع جغرافي و سياسي مهم في المنطقه

و دورها يؤثر سلبا او ايجابا في العملية السياسية باسرها . فهي الدولة العربيه 

الوحيده على حدود قطاع غزة " المتمرده المقاومه " التي لا تتحكم 

بها مجموعة اوسلو . و هي مرتبطة باتفاقات مع الكيان الصهيوني ، بما يعني

ان التغيير في هيكلية الدولة سيكون له تبعاته على دولة الاحتلال و يشكل

تهديدا وجوديا عليه . كان المخرج لدى المخططين الذين يرسمون آفاق المرحلة

ان تخمد الثورة حتى لا تكبد المصالح الصهيونيه و الغربيه اية خسائر . 

و كان على بعض الدول النفطيه التي تخشى على انظمتها القبليه ان تقدم 

الدعم المادي و السياسي من اجل القضاء على الثوره التي تهدد استمرار وجودها. 

لانجاح مشروعهم و اظهاره مشروع قائم على عوامل داخليه بحته ، اوجدوا 

منافسين اقوياء للمرشح الذي يمثل الثوره . فكان هذا في عمرو موسى و البرادعي 

و احمد شفيق . و الاخير هو الافضل كونه جزء لا يتجزأ من تركيبة النظام

السابق و له خلفيه عسكريه تعتبر مهمه في الحالة المصريه . و هو ايضا

الاقدر على لملمة مؤيدي مبارك ، و لن يغير في السياسة الداخليه و الخارجيه 

على وجه لا تقبله القوى الاقليميه و الدوليه الساعيه لمنع التغيير في مصر .

هذه المرة ايضا قال الشعب المصري كلمته ، اختار الافضل حسب رؤيته .

هذا كان يعني ان كل المخططات التي عُمل عليها لم تحقق الهدف . 

من تسليم السلطه للمجلس العسكري خلال المرحلة الانتقاليه ، الى اصطفاف

كافة القوى من علمانيه و قوميه الى اسلاميه " سلفيه و أشعريه " في وجه

المرشح محمد مرسي ، و الوقوف الى جانب مندوب النظام المخلوع 

احمد شفيق بكافة الامكانات . ضاعت جهودهم هباء و فاز الرجل الذي يمثل

الحزب المقبول شعبيا و المكروه من الساسة المحليين و حلفائهم الاقليميين .

لم يبق في مخزن المسدس الا طلقة واحده ، لا بد من اطلاقها مهما كانت النتيجه .

حتى لو وصل الامر الى ضرب المسار الديمقراطي و اختيارات الشعب .

حتى لو انتشرت الفوضى و اعمال العنف . ، حتى لو عادت مصر عشرات

السنين الى الوراء .لن يترك الرجل الاسلامي في وضع مستقر و لا ليوم

واحد ، و لن يسمح له بالبقاء لفترته القانونيه مهما كان الثمن ، 

لان الدوائر الصهيونيه و الامريكيه و معهم اصحاب المليارات من العرب 

لا يثقون بما ستؤول اليه الامور لو تركوه لفترته . لا يتصورون كيف

ستكون الحالة مع كيان الاحتلال ، و كيف سيكون حال النظم العشائريه

المتخلفه . ما الذي ستحققه الثورات العربيه في البلدان الاخرى .كيف ستتطور

قوة المقاومه في غزه ؟ لهذا فعلا استخدموا الطلقة الاخيره فكان الانقلاب ، 

و دخلت مصر في دوامة من العنف و الازمات الاقتصاديه و السياسيه ، و سالت

الدماء و غاب القانون و القضاء . دخل الابرياء الى المعتقلات ، حوكم المئات 

بالاعدام في سابقه لا مثيل لها بتهمة التخابر مع المقاومة الفلسطينيه . و ظهر

في تلك الاحكام الحقد و الكراهيه لدى القضاة ، و كأنهم يريدون اجتثاث 

قوة جماهيريه راسخة في وجدان الشعب و في صفحات التاريخ المعاصر للبلد . 

في ذات الوقت حكم بالبراءة على من استغل البلاد لمدة ثلاثين عاما

و اهان الوطن و اهدى ثرواتها للاحتلال و قتل المتظاهرين في الشوارع ، 

و تعامل مع الاحتلال . خسر الشعب المصري ثورته العملاقة

و خسرت الامة تجربه ديمقراطيه لو نجحت لاسست لمستقبل افضل

و لخرجت الامة من تبعيتها و ازماتها السياسيه و الاقتصاديه . 












google-playkhamsatmostaqltradent