يشكّل اللاجئون الفلسطينيّون المقيمون فعليّاً على الأراضي اللبنانيّة ما يقلّ عن نصف العدد المسجّل رسميّاً على لوائح الأنروا، أو المديريّة العامّة للشؤون السياسيّة واللاجئين التابعة لوزارة الداخليّة اللبنانيّة.
وإذ عدنا قليلاً إلى الوراء، لتبيّن أمامنا من سلسلة مؤشّرات وأرقام عمليّة، ان العدد بدأ بالتناقض الوازن إثر الإجتياح الإسرائيلي واحتلال جزءاً واسعاً من الأراضي اللبنانيّة وصولاً إلى الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982، ثم توالت الأعداد بالتناقض مع التطبيق الفعلي لإتفاق الطائف، وما رافقها من إنهاء حالة الميليشيات المسلّحة ومن ضمنها الحالة العسكرية والأمنية الفلسطينية، والتي بجانب من وجوهها كانت تشكّل مورداً إقتصاديّاً وخدماتيّاً وازناً لأكبر ربّ عمل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.
هذا ما يقودنا إلى تحديد الأولويّات بالنسبة الى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من حيث الحاجة والضرورة- بأربع قضايا (ملفّات) رئيسيّة.
أوّلاً: شكّل الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما رافقه من خروج الجسم الرئيسي من الحالة السياسية والعسكرية والأمنية الفلسطينية من لبنان، وما تلازم من تخبط في تحديد الاتجاهات الوطنية والسياسية وصلت الى حد الانقسام السياسي والفصائلي. ثم أتى الخروج النهائي بعد توقيع اتفاق الطائف، والدخول في معاهدة أوسلو، وما رافقها من حقائق او تجني حول تراجع الاهتمام بحق العودة كترجمة للمصالح الوطنية والسياسية للاجئين وانعكاس ذلك في التراجع المذهل في الخدمات المختلفة التي كانت تقدمها المؤسسات المختلفة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ان هذا الملف وجد تعييره، خلال المراحل المختلفة من تطبيق اتفاق اوسلو، وما رافقه من تعنّت اسرائيلي وانحياز اميركي في انتاج وعي جمعي لدى اللاجئين وتحديداً في لبنان، باستحالة تنفيذ حق العودة، وتراجع بل غياب أي دور للاجئين في النضال الوطني والسياسي استتباعاً في المشروع الوطني الفلسطيني، مما خلق نوعاً عن الإلتفاف حول القوى والأطر والهيئات الوطنية والسياسية والفصائليّة، وأسس الوعي الجمعي للاجئين مما ولّد ظروف موضوعية لعملية الانتقال من مرحلة التعاضل الوطني الجمعي الى مرحلة الفردية والشخصانية والبحث عن حلول فدرية في اوساط اللاجئين.
ثانياً: ملف العلاقة مع الدولة المضيفة والتي تعزّزت نظرتها بعد انتهاء الحالة العسكرية الفلسطينية- الى حصر العلاقة مع اللاجئين بالزاوية الأمنية، وما رافق هذه الحالة من تراجع مشروع قانونيّاً ودستورياً في مجمل الحقوق الانسانية والمدنية للاجئين الفلسطينيين.
ثالثاً: ملف العلاقة مع الانروا، ان تراجع الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية والتي كانت تحل بمعظمها من خلال الحالة العسكرية الفلسطينية والخدمات التي تقدمها مؤسسات المنظمة، أدى الى الانتباه المتأخر الى التراجع المخيف والتقليصات التي لم يكن أحد ملتفتاً إليها في الخدمات التي تقدمها الأنروا.
رابعاً: ملف العلاقة مع المؤسسات الخدماتيّة لمنظمة التحرير والتراجع المتدرج والذي يصل الى حد الإنهاء الفعلي في تقديم الخدمات على المستوى الجماعي.
الملاحظ، ان الملف الاول، اي انعدام الثقة بالمستقبل والأفق الوطني وتراجع الوعي الوطني الجمعي، قد أدى في ظل وجود الملفّات الأخرى التي أثرت في التراجع المخيف في الظروف الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية للاجئين، الى طغيان فكرة الهجرة، وبتنا امام مجتمع فلسطيني نصفه على الأقل مهاجرون ونصفه الاخر مشاريع مهاجرين.
ان هذه الملفات الاربعة، تجد تمظهراتها في
أولاً: الارتفاع المرعب في معدلات الهجرة والبحث عن حلول فردية.
ثانياً: انعدام الثقة بالاطر والهيئات الوطنية والسياسية والفصائلية والشعبية القائمة وتزايد الهوّة ما بين اللاجئين والفصائل والتي تزداد اتساعاً مع مرور الوقت.
ثالثاً: عدم ايمان اللاجئين او المتبقين منهم بالنضال والتحركات الضاغطة التي تدعو وتقوم به الهيئات والاطر المختلفة لمعالجة الملفات المختلفة.
ان تراجع الثقة تجاوز الهيئات والأطر ليصل الى تراجع الثقة بفكرة العمل والنضال والضغط من اساسها.
امام هذا الواقع، وامام الجميع تطغى فكرة النقاش والحوار الجدّي والمسؤول والتفاعل المتبادل لإيجاد اقتراحات وحلول واقعية وفعلية للحفاظ على ما تبقى من لاجئين، ولإعادة الاعتبار الى الوعي الوطني الجمعي.