في موقف الحزن، يعجز اللسان عن النطق، يصبح الصمت أبلغ كلام، بل تقف الحروف عاجزة عن صوغ الكلام، عن كتابة العبارات، ينزل التسليم بقضاء الله وقدره بردا وسلاما، ليطفىء نار فراق الموت، في مسيرة الحياة،ومرهاوتلك الايام التي نداولها بين الناس.
ويزداد موقف الحزن اتشاحا بالسواد والحداد..بالموت، سر الله في خلقه، بل سر من اسرار الله في خلقه، حين نقف عاجزين أمامه بيقين الايمان، حين نودع من نحب، أمهات ومناضلات في آن، تفتحت عيوننا عليهم في مخيمات اللجوء، في بلاد الشتات، فكانوا الارض والعرض ودعوة الصبر والصمود.
حين نودع كبارنا رجالا ونساء، لا نخسر أرواحا واجسادا فقط، كما في اي مكان تحت اشعة الشمس، انما تاريخا حيا وناطقا عن فلسطين، وذكرياتها التي تناقلها الاباء عن الاجداد فوصلت الينا وصية وامنية وشعلة تنير لنا الدربحتى العودة الى الديار فلسطين..
وداع كبارنا خسارة تتجاوز حسابات الفراق، تصل الىثقافة وإرث، ما أحوجنا اليهما اليوم والحفاظ عليهما في ظل الخلاف والاختلاف، كي تبقى البوصلة فلسطين، ووصاياهم والعودة عنوان الحي الخالد.
فقد ودعت عائلتا دهشة والسعدي ومعهما مخيم عين الحلوة، الحاجة المرحومة مريم محمود السعدي، زوجة الحاج محمد خالد دهشة "ابو احسان" وحماة الصحافي محمد دهشة التي وافتها المنية بعد رحلة حياة كانت فيها مثالا للأم الفلسطينية الصابرة التي تحملت مشقات النكبة والتشريد واللجوء.
الحاجة "أم احسان" التي بكى عليها كل من عرفها.. البعيد قبل القريب، جسدت في حياتها نموذجا فريدا للمرأة الفلسطينية المناضلة التي خاضت على طريقتها معركة من نوع آخر تكاملت مع النضال الوطني لزوجها "ابو احسان" ومعا في انشاء الاسرة المحافظة والتربية الصالحة ومد يد العون لكل الاهل والاقارب والجيران التي باتوا يفتقدون سؤالها عن حوائجهم.
بفقدانها اليوم، تشرب العائلة كأس المرارة والحزن ولم تخلع بعد ثوب الحداد، بعد خسارة ابنها البكر احسان "ابو محمد" قبل عامين الا شهر تقريبا،حين فتكبه المرض العضال على حين غرة،بعدما امضى اكثر من نصف حياته يجاهد في لقمة العيش، معيلا لعائلته، قبل ان يفكر بالتقاعد والاستراحة، فسبقه المرض والموت، لتصاببالوهن والتعب، حاولت مقاومته مرارا، الى أسلمت الروح صابرة محتسبة الى الله تعالى.
في موكب مهيب، شيعت الحاجة "أم احسان" وقد حمل نعشها نجلها احمد واحفادها، ووريت الثرى في مقبرة صيدا الجديدة في سيروب بمشاركة الاهل والاقارب وممثلين عن القوى الوطنية والاسلامية اللبنانية والفلسطينية واللجان الشعبية وعدد من الزملاء الاعلاميين.
وفي قاعة طيطبا الاجتماعية في عين الحلوة، تقبلت عائلتا دهشة وسعدي واهالي بلدة طيطبا التعازي، طوال ثلاثة ايام، واقيم مجلس تأبيني عن روحها الطاهرة، تحدث فيه العضو المؤسس في "رابطة علماء فلسطين" الشيخ علي اليوسف، واعظا عن الموت والحياة واهمية تلاوة القرآن في رمضان المبارك الذي يطل علينا بعد ايام.
وقد اتصل معزيا النائب بهية الحريري، سفير دولة فلسطين اشرف دبور والمستشار الاعلامي حسان ششنية، الدكتور عبد الرحمن البزري، والمسؤول السياسي لـ "الجماعة الاسلامية الدكتور بسام حمود"، والمستشار الزميل احمد الغربي ناقلا تعازي نقيب المحرربن اللبنانيين الياس عون، مكتب منسق عام تيار "المستقبل" احمد الحريري، رئيساتحادعلماءالمقاومةالشيخماهرحمود وقادة فلسطينيين كثر وزملاء اعلاميين.
وانني باسم عائلتي دهشة وسعدي وعموم اهالي طيطبا، اشكر من واسانا في مصابنا الجلل معزيا سواء بالحضور او الاتصال، متمنيا حياة ملؤها الامل الفرح..
كما انني باسم عائلتي الصغيرة، أتقدم من زوجتي الفاضلة عائدة دهشة النموذج المكرر عن والدتها وتضحياتها بخالص التعازي القلبية والى والدها الحاج محمد واشقائها وشقيقاتها، قائلا "لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.. فلتصبروا وتحتسبوا.. وانا لله وانا اليه راجعون.